دمشق | قرار حكومي جديد أرخى بثقله على السوريين الذي يعيشون أوضاعاً معيشية شديدة الصعوبة، عبر فرض قيود على العائدين منهم من لبنان إلى بلادهم. القرار الذي اقترحه وزير المالية قبل أكثر من شهر، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، ولاقى الموافقة أخيراً، يقضي بإلزام السوريين ومَن في حكمهم تصريف مبلغ 100$ أو ما يعادله من العملات الأجنبية التي يقبل بها مصرف سوريا المركزي حصراً، إلى العملة السورية، وفقاً لنشرة أسعار صرف الجمارك والطيران عند دخول الأراضي السورية. ولم يُرفق القرار بأيّ شروحات أو توضيحات، باستثناء إعفاء المواطنين الذين لم يُتمّوا الثامنة عشرة من عمرهم، إضافة إلى سائقي الشاحنات والسيارات العامة، من تطبيقه.
السوريون في لبنان
الخطوة الحكومية الجديدة أثارت جدلاً كبيراً بين مقيمين مؤيّدين لحق الدولة في جمع القطع الأجنبي بأيّ وسيلة، ورافضين للقرار من المقيمين في الخارج أو أصحاب الحاجات المضطرين إلى عبور الحدود دورياً، والذين يقدِّرون أن تبلغ خسارتهم بفعل الفارق بين سعر الصرف في السوق السوداء والسعر الرسمي ما يزيد على 50$، أي أكثر من 100 ألف ليرة سورية. ومن بين هؤلاء يبرز المغتربون خصوصاً، على اعتبار أن الضرر الذي سيلحق بهم سيطال أيضاً الكثير من سوريّي الداخل. وفي هذا الإطار، يشير طلال، وهو طالب جامعي، إلى أن «أيادي المغتربين البيضاء هي التي تبقي الكثير من سوريّي الداخل على قيد لقمة العيش بالحدّ الأدنى»، مضيفاً أن «شركات الصرافة تشهد على جهود المغتربين الذين حملوا مسؤولية عائلاتهم في الداخل، وأرسلوا المبالغ الدورية عبر وكلاء محليين لشركات الصرافة بالليرة السورية بحسب سعر الصرف المركزي، ما رفد خزينة الدولة طيلة سنوات الحرب».
يرى البعض أن القرار موجّه ضدّ السوريين المقيمين في لبنان تحديداً


من جهته، يعتقد حسان، المهندس العامل في لبنان، أن القرار «لا يضيّق العودة إلا على السوريين في لبنان، وسط الأوضاع الاقتصادية الخانقة في البلد الجار، وخفض الأجور إلى ما دون 30% بالنسبة إلى معظم السوريين العاملين أسوة باللبنانيين أنفسهم، وصعوبة الحصول على النقود بالعملة الأميركية، بسبب فقدها من السوق اللبنانية». ومن هنا، يرى الرافضون للقرار أن الحكومة تلزم من خلاله المواطنين بدفع «إتاوات»، بما يخالف المادة 18 من الدستور السوري التي تنصّ على «عدم فرض الضرائب والرسوم والتكاليف العامة إلا بقانون»، علماً بأن القوانين تُقرّ عبر مجلس الشعب بعد دراستها ومناقشتها والموافقة عليها.

حديث التعديلات
لا يختلف السوريون على ضرورة إدخال عملات أجنبية إلى المصرف المركزي. لكن النقاش يتركّز حول إذا ما كان المبلغ المفروض على السوريين القادمين إلى بلادهم، في ظلّ تناقص أعداد المسافرين يومياً منذ ما قبل إغلاق الحدود بسبب «كورونا»، سيخلّف تأثيراً إيجابياً على الخزينة العامة. وفي خضمّ هذا النقاش، يبرز اعتبار البعض أن الخسارة المقدّرة بـ50$، والتي ستنجم عن القرار، «لا تضير الوافدين إلى البلاد»، مغفلين حقيقة أن جزءاً من هؤلاء يخرجون إلى البلد الجار لأمور طارئة لمدة ساعات أو أيام. إزاء ذلك، تعتقد حنين، المدرّسة الأربعينية، أنه «يجب استثناء الحالات الإنسانية». وإذ ترى أن «الوطن احتاج أبناءه، وعليهم دعمه»، إلا أنها تنتظر إدخال تعديلات على القرار، من مثل قصر تطبيقه على المغتربين العائدين إلى بلادهم كلّ عام، وليس على الجميع. وبالفعل، بدأ يدور حديث عن تعديلات ستطرأ على القرار قبل دخوله حيّز التنفيذ، من بينها أن «يُدفع المبلغ في حال زادت مدّة سفر المواطن السوري خارج البلاد على 72 ساعة». وفي انتظار التعديلات المتوقعة، تُطرح تساؤلات، أيضاً، حول «الحكمة» من مساواة الطلاب السوريين في لبنان والمسافرين بغرض العلاج، برجال الأعمال وأصحاب الإقامات الخارجية، علماً بأن النظام الضريبي في سوريا، وفق البند الثاني من المادة 18، يقوم على «أسس عادلة»، من بينها الضرائب التصاعدية التي تحقق مبدَأي «المساواة والعدالة الاجتماعية».