برز في الأيام الأخيرة تبادلٌ للخدمات بين تركيا و«هيئة تحرير الشام» في مدينة إدلب، شمال سوريا. فبرغم أن العلاقة بينهما كانت متوترة في محطات كثيرة، لكنها تبدو حالياً في تحسّن مطّرد. في الأسبوعين الماضيين، تصدّت «تحرير الشام»، في عملية تخدم مصالحها ومصالح أنقرة، لغرفة العمليات المشكّلة حديثاً تحت اسم «فاثبتوا»، وتمكّنت من إنهائها تقريباً. بعد معارك بين الطرفين، تمكنت «تحرير الشام» من تكبيد فصائل «فاثبتوا»، وبخاصة «حراس الدين»، خسائر كبيرة، إضافة إلى اعتقال عدد من كوادر الغرفة، وأبرزهم أبو مالك التلي. كما قرّرت «إدارة المناطق المحررة» في إدلب، التابعة لـ«تحرير الشام» إغلاق جميع المقرّات العسكرية ضمن المدينة، عدا غرفة عمليات «الفتح المبين» (أسستها الهيئة)، تزامناً مع قرار مشابه في جسر الشغور، ركز على «حراس الدين». وجاء في بيان «الإدارة» أنه «لا يحقّ لأي جهة عسكرية موجودة في إدلب التدخل في الشؤون العامة والحكومية».بهذا البيان، يكون زعيم «تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، قد قضى على محاولة تشكيل غرفة جديدة في مناطق نفوذه في إدلب، إضافة الى قطع الطريق على كل من يفكر في الخروج عن طاعته. كما يكون الجولاني قد «روّض»، لمصلحة أنقرة، مجموعة فصائل انضوت ضمن «فاثبتوا»، كانت تعارض تسيير الدوريات الروسية ــــ التركية على الطريق الدولي حلب ــــ اللاذقية (M4)، وتُتهم بالمسؤولية عن استهداف الدوريات وقطع طريقها. وكان بيان «إدارة المناطق المحررة» قد طلب من جميع الجهات العسكرية داخل إدلب «مراجعة مسؤول المنطقة لتنظيم الوجود العسكري... يتعرّض المخالف للمحاسبة، وتكلَّف القوة التنفيذية متابعة تنفيذ التعميم». وصدر لاحقاً عن «إدارة» جسر الشغور، جنوبي غربي إدلب قرار مماثل، لكنه خصّ مقرّات «حراس الدين» بقرار الإغلاق.
بعد انتهاء الاشتباكات في الـ 26 من الشهر الماضي، دعت «تحرير الشام» جميع الفصائل الى التوحّد في غرفة «الفتح المبين» التي تضم أصلاً الهيئة و«الجبهة الوطنية للتحرير» المنضوية ضمن «الجيش الوطني السوري» إلى جانب «جيش العزة». في سياق متصل، نقلت تنسيقيات المسلحين عن «مصادر عسكرية» أن قيادة «الجبهة الوطنية» المدعومة من تركيا، والمتحالفة مع «تحرير الشام»، أبلغت مسلحيها بـ«الاستعداد للالتحاق بمعسكرات تدريبية خاصة مدتها 40 يوماً ستبدأ السبت المقبل». هذه «المعسكرات موزّعة على اثنين كبيرين: الأول يقع بين مدينتي كفرتخاريم وحارم في ريف إدلب الشمالي الغربي حيث المنطقة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، والآخر في ريف عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، التي تسيطر عليها فصائل الجيش الحر الموالية لتركيا». كما نقلت تنسيقيات المسلحين عن أحد مسؤولي «فيلق الشام»، أحد أكبر فصائل «الجبهة الوطنية»، المدعو أبو علي الجبلي، أنّ «القيادة التركية أبلغت الفصائل العسكرية في إدلب ضرورة إلحاق جميع مسلحيها بمعسكرات تدريبية وإنهاء جميع المسميات الفصائلية مثل فيلق الشام وصقور الشام وجيش إدلب الحر وجيش النصر… وغيرها». وأضاف الجبلي: «ستحل المسميات تحت اسم الجبهة الوطنية من دون أن تكون مقسمة إلى فصائل، وسيتم تنظيم المسلحين وفق اختصاصهم».
دفعت محاربة «تحرير الشام» لـ«فاثبتوا» أنقرة إلى تغيير مواقفها من الهيئة

من جهة أخرى، تحدث الجبلي إلى التنسيقيات عن اتفاق تركي ــــ روسي يقضي بدخول قوات أمنية من الطرفين لحماية الطرق الدولية وتأمين الحركة التجارية. وعن مصير «تحرير الشام» في هذه الاتفاقيات، قال: «الهيئة على معرفة مسبقة بجميع ذلك، وكل شيء يجري على الأرض يتمّ بالتنسيق معهم، وخاصة مسألة المعسكرات... ستتم ضمن مناطق تحت إشرافهم. إنّ قيام تحرير الشام أخيراً بمحاربة غرفة عمليات فاثبتوا وحلِّها، التي تضم مجموعات جهادية تعارض أي اتفاق دولي يخص المنطقة، جعلت تركيا تغيّر كثيراً من مواقفها تجاه» الهيئة.
في غضون ذلك، سيّرت القوات الروسية والتركية أمس الدورية المشتركة التاسعة عشرة على طريق M4 في ريف إدلب الجنوبي، واقتصرت الدورية هذه المرة أيضاً على المنطقة الواصلة بين بلدة الترنبة غربي سراقب في ريف إدلب الشرقي، حتى مشارف مدينة جسر الشغور الغربية. ولم تكمل كامل الطريق وفق ما نص عليه الاتفاق الروسي ــــ التركي في مارس/ آذار الماضي، بسبب تخوف الطرفين من استهداف الدوريات من الفصائل الجهادية المنتشرة في تلك المنطقة، من جسر الشغور إلى بلدة عين الحور، قبل الدخول في نطاق سيطرة الجيش السوري.