الحسكة | لا توحي المعطيات المتوافرة عن موسم المحاصيل الاستراتيجية هذا العام في سوريا بموسم وافر كالعام الماضي لأسباب تتعلق بواقع المناخ، واحتلال القوات التركية والجماعات الموالية لها مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة. وبرغم أن الحكومة السورية تبذل جهوداً ملحوظة لإنعاش القطاع الزراعي، تصطدم هذه الجهود بحجم التخريب الكبير الذي طاول البنى التحتية الزراعية، ما يجعل إمكانية تعافيها التام عملية طويلة الأمد. فالقطاع الزراعي كان يعتمد قبل الحرب بصورة كبيرة على المحاصيل المرويّة التي تحتاج إلى كهرباء ومحروقات، وهي لم تعد موجودة بنسب عالية خاصة مع خروج غالبية مناطق توليد الطاقة عن سيطرة دمشق.يضاف إلى ما سبق وجود منافسين لـ«المؤسسة السورية للحبوب» التابعة للحكومة، كـ«الإدارة الذاتية» في الشرق السوري و«الحكومة المؤقتة» في مناطق سيطرة الجيش التركي، اللتين تستحوذان على محاصيل الفلاحين هناك. في سياق هذا التنافس، عمدت دمشق إلى سلسلة من التسهيلات للمزارعين، لتشجيعهم على تسليم محاصيلهم للمراكز الحكومية والحصول على أكبر كميات ممكنة من إنتاجهم، بهدف الاستغناء عن عقود الاستيراد التي تشكل عبئاً إضافياً على العملات الأجنبية. تضمّنت هذه القرارات رفع سعر الشراء إلى 225 ل. س.، بزيادة 40 ليرة عن تسعيرة العام الفائت، مع مباشرة استلام محاصيل العام الماضي بالسعر الجديد، والاستلام على الهوية الشخصية بغضّ النظر عن شهادة المنشأ، مع تخفيض نسبة الشوائب إلى 16%.
من هؤلاء المزارعين أبو محمد الذي بدأ رحلة البحث لحجز حصّادة لمحصوله في قريته الواقعة على طريق عمودا ــ الدرباسية، وهي من أهم المناطق لزراعة القمح والشعير. يقول أبو محمد إن الأوضاع «غير مبشّرة بموسم زراعي وفير»، بسبب الظروف المناخيّة التي أدّت إلى ضعف في إنتاج السنابل ومحدوديتها. لكنه يرى أن قرارات الحكومة الأخيرة «جيدة» عدا تسعيرة القمح التي لا تتناسب مع تكاليف الإنتاج أو هامش ربح جيد. أما فيصل، وهو مزارع في قرى المالكية بريف الحسكة، فيرى أن الأهم هو دعم الفلاح وسط الغلاء الفاحش الذي تعيشه البلاد، مشيراً إلى أن رفع تسعيرة القمح واستلام محصول الشعير «مهمان جداً لتحقيق الأمن الغذائي، والحفاظ على الثروة الحيوانية».
لم تستلم الحكومة السورية العام الماضي كامل الموسم


وكانت أرقام الإنتاج العام الماضي (نحو 2.3 مليون طن) قد أعطت مؤشراً على بدء مرحلة التعافي بعد استعادة الحكومة مناطق زراعية واسعة في حلب ودير الزور والرقة، وهي مؤشرات استمرت هذا العام على صعيد الأرقام في تقدير اللجنة الاقتصادية الحكومية، مع توقعها إنتاج قرابة 2.9 مليون طن، وهو رقم سيعيد البلاد إلى الاكتفاء الذاتي (حاجة البلاد قرابة 2.3 مليون سنوياً) في حال تمكنت الحكومة من استلامه كاملاً. لكن ما حدث في عام 2019 عملياً أن الحكومة لم تتسلم أكثر من مليون طن (أقل من 45% من المجمل)، وهو ما يمكن أن يتكرر إلا في حال وضع أسعار أكثر تشجيعاً للمزارعين لدفعهم إلى تسليم دمشق بدلاً من الآخرين.
ومع أن «الإدارة الذاتية» الكردية لم تمنع مزارعي الحسكة الموسم الفائت من تسليم محاصيلهم للمراكز الحكومية في المحافظة، التي كانت تستلم بسعر أعلى بـ 25 ل. س.، فإنها هذا العام تعتمد سعر استلام مطابقاً للحكومي، مع الحديث عن إمكانية رفعه إلى 250 ل. س.، وهو ما سيهدد التسليم للمراكز الحكومية. كما أن تركيا احتلت مساحات خصبة بين رأس العين وتل أبيض في ريفي الحسكة والرقة، بعد عملية «نبع السلام»، أدى إلى خروجها عن موسم التسويق الحكومي، وسط حديث عن نية لدى «الحكومة المؤقتة» لاستلام محاصيل تلك المناطق بسعر مضاعف عن 225 ل. س.
برغم هذه المعطيات، يتفاءل المدير العام لـ«المؤسسة السورية للحبوب»، يوسف قاسم، بأن «موسم استلام القمح سيكون جيداً هذا العام»، قائلاً لـ«الأخبار»، إن الحكومة افتتحت هذا العام 49 مركزاً لاستلام القمح من الفلاحين في المحافظات كافة، وبزيادة ستة مراكز عن العام الماضي. ويضيف قاسم: «تم تخصيص 450 مليار ليرة لاستلام محصول القمح قابلة للزيادة وفق واقع التسويق»، لافتاً إلى «زيادة عدد مراكز الحسكة من 2 إلى 9، منها 5 مؤقتة، لتسهيل عمليات التسويق». لكنه ذكر أن وجود طرف آخر يعمل على شراء القمح العام الماضي أدى إلى اتخاذ قرار بإيقاف الاستلام من فلاحي العام الحسكة»، لكن «سيبقى الاستلام مفتوحاً في الحسكة هذا العام حتى انتهاء موسم التسويق». ويشار إلى أن رئيس «هيئة الزراعة» في «الإدارة الذاتية»، سليمان بارودو، قال في تصريحات إعلامية، إن «مراكز الإدارة ستسلم نحو 850 ألف طن من القمح هذا العام»، مضيفاً أن «الهيئة جهّزت 20 مركزاً في مناطق سيطرتها».