أعلن الجيش الأردني، أمس، أنه تصدى لمحاولة تهريب أسلحة وحبوب مخدّرة في سيارتين، دمّر احداهما واستولى على الثانية. هل هي عملية تجّار أم عملية إرهابيين؟ على كل حال، التهريب التجاري والإرهابي، متداخلان؛ السلاح متوفر بكثرة في جنوب سوريا، ويؤشر الانخفاض غير المسبوق في أسعاره في السوق الأردنية السوداء، أن عمليات التهريب لا تفشل دائماً. أسلحة وحبوب كبتاغون (رفيقة الثوار الاسلاميين!) وتهريب؛ هذه هي عناوين «الثورة» السورية في الجوار. وهي تنتقل ــــ وستنتقل ــــ إلى الداخل الأردني، إلا إذا جرى تغيير السياسات الغامضة التي تتبعها السلطات الأردنية إزاء سوريا، نحو تعاون جدي ومخلص بين البلدين.

يبذل الجيش الأردني جهوداً حثيثة لمنع التسلل الإرهابي في الاتجاهين؛ إلا أن هناك معابر عدة مفتوحة، بعضها علني بحجة الواجب الانساني لاستقبال لاجئين، وبعضها يتم استخدامه تحت إشراف قوى غامضة لإرسال مسلحين. لكن مخيم الزعتري للاجئين السوريين يكشف أن الحدود، في كل الأحوال، غير مضبوطة إلى حد بعيد. فالعديد من مقاتلي الجماعات المسلحة في جنوب سوريا، يقضون إجازات علنية لدى زوجاتهم وعائلاتهم في المخيم الذي تحوّل بلدة مستقلة «ذات حكم ذاتي»، عصي على الإدارة الأمنية والبلدية. وتتحدث تقارير صحافية عن تكوّن مناطق تجارية داخله، بلغ خلوّ المحل (من الصفيح) فيها، أكثر من سبعة آلاف دولار.
كانت السياسة الأردنية الرسمية إزاء اللجوء السوري، منذ البداية، مسيّسة ويكتنفها الغموض في الدوافع والإجراءات؛ فبينما جرى، في فترات عدة، منع دخول السوريين إلى البلاد عبر المنافذ الشرعية، كان يتم تسهيل استقبال لاجئين من دون أوراق ثبوتية عبر المنافذ غير الشرعية! ولطالما تم تبرير هذا التناقض بالقول إن اللاجئين غير الشرعيين يلجأون إلى الحدود الأردنية تحت النار وهرباً من معارك دائرة، مما يجعل البعد الإنساني حاكماً. وربما يكون ذلك صحيحاً بالنسبة لبضعة آلاف على مدار السنوات الثلاث الماضية، لكن، بالنسبة الى مئات الآلاف من اللاجئين غير الشرعيين، يمكن القول إنهم قدموا وفق ترتيبات مع «الجماعات المسلحة» المعتمدة لدى الأمن الأردني أو حتى وفق ترتيبات شبكات مهربين.
من المدهش أن يقوم «لاجئون» فارّون من جحيم الحرب، بالذهاب والإياب والقيام بعمليات تجارية وقضاء الإجازات عبر الحدود! في الواقع، يمكن النظر إلى مخيم الزعتري كقاعدة مدنية خلفية للمعارضة المسلحة. ولعل هذا هو الأساس في إنشائه، بالإضافة إلى تأليف عنوان جديد للحصول على المساعدات. وعلى الهامش، كانت ولا تزال هناك أجندة فرعية ترتبط بمشروع الوطن البديل؛ فاللجوء من دون وثائق سمح بقدوم الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى سوريا، إلى الأردن.
منذ البداية، كان هناك اقتراح وطني وقانوني وإنساني وكريم معاً، وهو المتمثل باستقبال الأشقاء السوريين عبر المنافذ الشرعية، ومن دون بناء مخيمات، والسماح لهم بالإقامة والعمل الخ وشمولهم بالخدمات العامة. وهو ما حصل بالفعل بالنسبة لقسم منهم، وكان يمكن أن يحصل لمعظمهم، لكن حكاية المخيمات تم افتعالها لأسباب سياسية وأمنية، مما أدى إلى وضع البشر في شروط غير ملائمة، من جهة، وخَلَقَ، من جهة أخرى، منطقة سكانية كثيفة، بل مدينة عشوائية دائمة، سيعاني منها الأردن، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، ما لم تبادر الحكومة الأردنية إلى التفاهم مع نظيرتها السورية، للتوصل إلى حل. والحل يبدأ من انهاء أي شكل من أشكال التورط السياسي أو الأمني في الصراع السوري؛ فالاعتقاد بإمكانية التحكّم بحركة التسلل الإرهابي وتهريب السلاح وحسابات اللجوء، هو اعتقاد واهم؛ الحدود تخرج، واقعياً، عن السيطرة، والتغذية الإرهابية هي، بطبيعتها، تغذية راجعة؛ إنها تتحرك في بيئة حاضنة لا يمكن ضبطها. وبينما تظهر التطورات أن الجيش العربي السوري سائر نحو بسط سيطرته في محافظة درعا قريباً، فإن أحداً من المسؤولين الأردنيين لم يتوقف للتفكير في ما جرى ويجري في يبرود؛ فآلاف المقاتلين ــــ وبينهم محترفون إرهابيون عتاة من المتمركزين في جنوب سوريا الآن ــــ سيفرّون إلى الأردن عبر مسالك يعرفونها واعتادوا على استخدامها. وبالنتيجة، فإن السياسات الغامضة، مهما كانت الترتيبات مُحكمةً، ستنتهي إلى فوضى.
ربما يكون الخلاف السعودي ــــ القطري قد جاء في موعده بالنسبة للعلاقات الأردنية ــــ السورية؛ فمع تضاؤل احتمالات تطبيق خطط عدائية جديدة نحو جنوب سوريا، وانخفاض مستوى الضغوط على القرار الأردني، يمكن لعمّان ودمشق التفاهم حول ترتيبات تشمل الحدود والمعابر غير الشرعية والتهريب ومحاصرة المسلحين ومعالجة مشكلة اللاجئين. الأردن وسوريا دولتان مركزيتان، ويمكنهما التوصل إلى صيغ ميدانية جريئة وواقعية، وتطبيقها من دون إبطاء؛ إنما على السلطات الأردنية أن تواجه، الآن، لحظة الحقيقة، والاختيار: حزمة أزمات أو حزمة حلول.