من خلف باب نصف مغلق، أعطت لين أحد الزبائن كيساً فيه بعض الحاجيات التي سبق وطلبها عبر الهاتف، ومن دون أي تواصل مباشر ولا كلام كثير، تمّت عملية البيع والشراء، مخترقة الحظر المفروض على قطاع من المحالّ التجارية في سوريا، منذ بدء انتشار فيروس «كورونا».تقول لين، وهي موظفة في إحدى مكتبات القرطاسية في دمشق، إن قرار الإغلاق شمل مكتبتها كبقية المحلات، وأمام القرار الحكومي الصارم جلست لعدة أيام في منزلها تنتظر انقضاء الأزمة؛ ولما شعرت بأن الأمر قد يطول وبأن مواردها المالية قد تنفذ، اقترحت على صاحب المكتبة العودة للعمل ثانية ولكن بصيغة مختلفة، وبالفعل بدأت بتوزيع رقم هاتفها على الجيران والزبائن، وإخبارهم بآلية العمل الجديدة.
تشرح لين أنها تذهب إلى مكان عملها في الصباح لتهيئة الطلبات التي وصلتها عبر الهاتف، ثم تبدأ توزيعها وفق العناوين المحددة. وتضيف ساخرة: «أشعر أني أتاجر بالممنوعات، وأنا أسلم الناس أكياسهم واستلم منهم النقود». في رأيها، هذه الطريقة الأنسب للمحافظة على مصدر دخلها، وفي الوقت نفسه تلبية حاجة الناس دون اضطرارهم لمغادرة منازلهم أو الدخول في تجمعات. وتقول إنها تفاجأت من كمية الاتصالات التي وردتها، مبررة ذلك بـ«حالة الملل التي يعيشها الأولاد في منازلهم، ورغبتهم بملء فراغهم بأي شيء».
قبل نحو ثلاثة أسابيع، أصدرت الحكومة السورية قراراً قضى بإغلاق كافة الفعاليات وجميع النشاطات التجارية ما عدا المتعلقة منها ببيع المواد الغذائية والتجهيزات الطبية، والصيدليات؛ ثم أصدرت استثناءات للعاملين في صيانة السيارات، وأتبعتها في الثالث عشر من الشهر الجاري باستثناءات جديدة شملت عشرين مهنة كان من بينها «الموبيليا» وصالات المفروشات. وبقيت كثير من المهن مشمولة بقرار الإغلاق، وعلى رأسها الحلاقة، الأمر الذي دفع أيمن وهو حلاق رجالي للتحايل على هذا المنع. إذ بدأ بزيارة زبائنه في منازلهم ليقدم لهم خدمات قص الشعر وحلاقة الذقن. يقول أيمن إن حاله اليوم يشابه ما كان عليه الحلاقون في الماضي، فهو يحمل حقيبته الكبيرة التي تضمّ كامل العدة ويدور على بيوت زبائنه من السابعة صباحاً وحتى الخامسة والنصف عصراً.
يضيف أنه توقف عن العمل يومي الجمعة والسبت، لأن «منع التجول المفروض يبدأ فيهما من الساعة الثانية عشر ظهراً» ما يجعل حركته صعبة، لهذا اكتفى بالعمل في بقية الأيام التي يبدأ فيها منع التجول في الساعة السادسة مساء.
ولم يقتصر الأمر على الحلاقة وحدها، فالمدربة الرياضية آلاء، تعاقدت مع عدد من زبائنها لممارسة التمارين الرياضية في بيت إحداهن. وهي تقول إنها تمارس «كل الاحتياطات اللازمة التي تحدثت عنها وسائل الإعلام»، وهي تُدرب ثلاث سيدات «كحدّ أقصى» في كل منزل، ولا تقبل بزيادة العدد خوفاً من انتشار العدوى.
أما عبر صفحات «فايسبوك» السورية، لن تفقد متعة التسوق، فمعظم المحال التجارية من مختلف الاختصاصات بدأت عرض بضائعها عبر الموقع الأزرق، مؤكدة وجود خدمة التوصيل للمنازل. يذكر صاحب متجر متخصص ببيع الأدوات المنزلية بأنه استفاد من تجارب الغير وبدأ بعرض بضاعة محله على إحدى «الصفحات المشهورة». ورغم توجّسه في البداية، فقد لمس وجود تفاعل كبير مع تجربته، وبدأ بإيصال الطلبات للبيوت. ويضيف أنه بذلك «التزم القانون» وحافظ على باب زقه، وأمّن دخلاً لبعض الشبان الذين انضمّوا لخدمة التوصيل.
يرى الدكتور ماهر سنجر، المتخصص في الإدارة الاستراتيجية الدولية، أنه لا يمكن اعتبار العمل من المنزل إلا «استجابة من الأفراد والشركات لدرء خطر كورونا. فالعمل المنزلي قديم، أما الغاية منه اليوم فمختلفة، وهي الحفاظ على استمرارية الأعمال». ويشرح أن «العمل من المنزل ينجح مع الأعمال الخدمية أكثر من الإنتاجية، وذلك لارتباطه بالمساحة وعدد القائمين على العمل في المنزل»، مضيفاً أن «معاناة العاملين من المنزل، هي عدم استقرار الايرادات أو عدم القدرة على تحصيلها، وخاصة في الدول التي لا تتبنى وسائل الدفع الالكتروني».