شهد الشمال السوري تطورات ميدانية لافتة، اليوم الثلاثاء، كان أبرزها سيطرة الجيش السوري بشكل كامل على المناطق المحاذية لطريق حلب ــ حماة الدولي (M5) من الجهة الشرقية، وسط تفاقم التوتر بين الجيش وقوات الاحتلال التركية في شرقي إدلب، ودخول الجانب الأميركي على خط دعم أنقرة بزخم أكبر.
تأمين طوق حلب الغربي
وسط معارك عنيفة شهدها ريف إدلب الشرقي، تقدمت وحدات الجيش السوري في محيط مدخل مدينة حلب الجنوبي الغربي، وسيطرت على حي «الراشدين 4» وجمعية الصحافيين السكنية وغابة الأسد.
وتدور اشتباكات عنيفة في منطقة خان العسل، المحاذية لغابة الأسد من الجهة الغربية، وسط قصف مدفعي وجوي يستهدف مواقع في خان العسل وصولاً إلى كفرناها غرباً. كذلك، عزّز الجيش انتشاره في محيط طريق حلب ــ حماة الدولي، وتحديداً في الزربة ومحيط «إيكاردا».

معارك عنيفة شرقي إدلب
شنّت القوات التركية والفصائل العاملة معها في ريف إدلب، هجوماً استهدف نقاط الجيش في بلدة النيرب، غربي سراقب، وهي النقطة التي عبر فيها الجيش إلى الجانب الشمالي من الطريق الدولي حلب ــ اللاذقية.
وخلال ساعات الهجوم الأولى، تراجعت وحدات الجيش من البلدة، قبل أن تستعيد السيطرة عليها بشكل كامل. وقبيل تحرك الجنود الأتراك ومقاتلي الفصائل نحو البلدة، فجّر المسلحون عربة مفخخة يقودها انتحاري على أطراف البلدة.
وخلال العمليات أصيبت إحدى مروحيات الجيش السوري في محيط إدلب الجنوبي الشرقي، واشتعلت فيها النيران، لتسقط في بلدة قميناس، ويقضي طاقمها المؤلف من ثلاثة عسكريين بينهم عقيد طيار.
وكان لافتاً أن وزارة الدفاع التركية قالت إنها تلقّت معلومات تفيد بأن «مروحية تابعة للنظام تحطمت» من دون أن تتبنى مسؤولية إسقاطها، فيما قالت وسائل اعلام تركية إن المروحية سقطت بنيران فصائل «الجيش الوطني» المعارض.
وبعد ساعات على سقوط الطائرة، استهدفت غارات جوية نفذها سلاح الجو السوري، إحدى النقاط التركية في قميناس، ما تسبب بوقوع قتلى وجرحى وفق معلومات أولية، لم يتم تأكيدها بعد من مصادر رسمية.

واشنطن: لخطوات منسّقة مع أنقرة
توازياً مع وصول المبعوث الأميركي الخاص للشأن السوري و«التحالف الدولي» جايمس جيفري، إلى تركيا، أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وقوف بلاده إلى جانب «حليفتها الأطلسية» في ملف إدلب.
وقال بومبيو في تغريدة عبر «تويتر»: «نعزّي عائلات الجنود الذين قتلوا في هجوم الأمس في إدلب... يجب أن تتوقف الاعتداءات المستمرة من قبل نظام (الرئيس بشار) الأسد وروسيا».
وأضاف القول: «لقد أرسلت جايمس جيفري إلى أنقرة لتنسيق الخطوات للرد على هذا الهجوم المزعزع للاستقرار. نحن نقف إلى جانب حليفتنا في الناتو، تركيا».

وفي تعليقه على تطورات إدلب الأسبوع الماضي، وبعد تأكيده ضرورة «تغيير روسيا لسياستها»، قال جيفري: «نحن لا نرى الروس فقط، ولكن الإيرانيين وحزب الله يشاركون بنشاط في دعم الهجوم السوري... لا نعرف ما إذا كان الهجوم هو مجرد الوصول إلى الطرق الدولية، أو قد يستمر أكثر من ذلك».
وأشارت السفارة الأميركية في تركيا، إلى ما وصفتها بالأنشطة «المخلة بالاستقرار، لروسيا وإيران وحزب الله اللبناني ونظام الأسد»، مضيفة أن «هذه الأفعال تعيق إعلان وقف إطلاق نار في عموم سوريا بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، وعودة مئات الآلاف من الذين هجروا من مناطقهم في شمالي سوريا إلى منازلهم بشكل آمن».
وقالت السفارة في بيان: «ندعو إلى إعلان وقف إطلاق نار بشكل فوري، وضمان وصول كامل للمنظمات الإغاثية للمناطق المتضررة من الاشتباكات بهدف تخفيف آلام مئات آلاف الهاربين من القصف المتواصل».

أردوغان: تدابير جديدة غداً
بينما تتجه الأنظار إلى ما قد يحمله جيفيري معه إلى أنقرة، التي تبدو في حاجة ماسة إلى سند «أطلسي» أو أميركي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه سيعلن «تدابير إضافية» غداً، من دون أن يعطي مزيداً من التفاصيل.
وأعلن أردوغان في خطاب من أنقرة، أن «النظام نال عقابه، لكن ذلك لا يكفي، ستكون هناك تتمة. كلما هاجموا جنودنا، سيدفعون الثمن غالياً، غالياً جداً».
وكان أردوغان «أمهل» دمشق سابقاً حتى نهاية شباط/ فبراير لسحب قواتها من محيط نقاط المراقبة التركية في شمال غربي سوريا.
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصدر دبلوماسي تركي، قوله إن الوفد الروسي غادر تركيا، أمس، بعد انتهاء المحادثات «من دون التوصل إلى اتفاق في ما يبدو». وقال الكرملين اليوم إن الهجمات على القوات الروسية والسورية في إدلب يجب أن تتوقف.
بدوره، اعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن على روسيا وإيران بصفتهما دولتين «ضامنتين» في مسار «أستانا» «إيقاف ممارسات النظام العدوانية».
وأشار إلى أزمة النازحين، مؤكداً أن بلاده «بدعم من ألمانيا، تعمل على تقديم الدعم لهؤلاء عبر إقامة منازل لهم داخل حدود محافظة إدلب، ولكن في حال استمرار هذه العدوانية فإن الملايين سيأتون أيضاً».
وكشف أن أردوغان سيبحث هاتفياً التطورات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مؤكداً رغبة أنقرة بالحصول على نتيجة من هذه المكالمة.

دمشق: لا وقف لمكافحة الإرهاب
أكدت دمشق عبر بيانات لوزارتي الدفاع والخارجية أن الاعتداءات التركية «لن تفلح في حماية الإرهاب التكفيري المسلح ولن تثني الجيش عن متابعة أعماله القتالية في محافظة إدلب وغرب حلب».
وأكد بيان وزارة الدفاع أن الجيش السوري سيواصل «تنفيذ مهامه الدستورية والوطنية، واستعداده للرد على اعتداءات قوات المحتل التركي، والقيام بواجبه المقدس في الدفاع عن أمن الوطن والمواطنين على جغرافية الدولة السورية».
وبدوره، أشار مصدر في وزارة الخارجية إلى أن دمشق «تؤكد مجدداً الرفض القاطع لأي تواجد تركي على الأراضي السورية الذي يشكل انتهاكاً سافراً للقانون الدولي واعتداء صارخاً على السيادة السورية ويتناقض مع بيانات آستانا وتفاهمات سوتشي».
وأضاف المصدر أن سوريا تطلب من المجتمع الدولي «اتخاذ المواقف الواجبة للجم السلوك العدواني للنظام التركي ودعمه اللامحدود للإرهاب في سوريا وليبيا».

«الحركة القومية» التركية: لندخل دمشق!
تنوّعت المواقف السياسية في الداخل التركي تجاه ما يجري من تطورات في إدلب، وكان أبرزها مطالبة «الحركة القومية» بالتصعيد ضد دمشق ومراجعة العلاقات مع روسيا، مقابل تأكيد «حزب الشعب الجمهوري» ضرورة عدم الدخول في حرب «بالوكالة» ضد سوريا.
ودعا زعيم «الحركة القومية» دولت بهتشلي، الحكومة التركية إلى إعادة تقييم علاقاتها مع روسيا، موضحاً أن «روسيا لا تتصرف بحسن نية». وذهب إلى أن على «الأمة التركية أن تخطط لدخول دمشق... إذا لزم الأمر».
واعتبر بهتشلي أن «موسكو مسؤولة بالقدر نفسه (كما دمشق) عن الجنود الأتراك الذين قتلوا أخيراً... ويجب أن نواجه هذا الواقع»، مضيفاً أن «روسيا تحقق أهدافها خطوة خطوة في سوريا من خلال الأزمة والفوضى».
أما زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، المعارض الرئيس في البلاد، كمال كليتشدار أوغلو، فقال في كلمة أمام المجموعة البرلمانية لحزبه: «أطلب من الذين يحكمون الدولة ألا يكون هناك شهداء جدد (...) لا نريد القتال مع جارتنا سوريا».
وقال كليتشدار أوغلو إن «تركيا يجب ألا تشارك في حروب بالوكالة في الشرق الأوسط... ويجب ألا يدفع جنودنا ثمن ذلك».

دوريات «روسية فقط» شرقي الفرات
أكد رئيس «المركز الروسي للمصالحة» في سوريا، اللواء يوري بورنكوف، أن الجانب التركي لم يشارك في مهام الدورية المشتركة التي كانت مقررة أمس الاثنين، في محافظة الحسكة السورية، وقامت بها الشرطة العسكرية الروسية من جانب واحد.
وقال بورنكوف إن «هذه هي المرة الثالثة، خلال الأسبوع الماضي، التي يتغيب فيها الجنود الأتراك عن الدوريات المشتركة في سوريا».