إسطنبول | بعد أن هدّد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، دمشق، وتوعّدها بالانتقام منها لمقتل خمسة من الجنود وثلاثة موظفين مدنيين أتراك وإصابة 7 آخرين بجروح، قام وزير الدفاع خلوصي آكار، وقادة القوات المسلحة، بزيارة المواقع العسكرية التركية على الحدود مع سوريا، بالقرب من مناطق الاشتباك بين الجيش السوري والفصائل المسلحة المختلفة في محيطَي إدلب وحلب. هناك، اتّهم آكار الجانب الروسي بـ«الكذب»، وقال: «لقد أبلغنا الروس مسبقاً، ومرّتين، بتحرّكات الوحدات التركية في المنطقة»، وأضاف: «الردّ التركي على عدوان الجيش السوري أدّى إلى مقتل 76 من العساكر السوريين».جاءت زيارة الجنرالات تذكيراً بالزيارة التي قام بها قائد القوات البرية أتيلا أتاش، في 16 أيلول 1998، إلى مدينة الريحانية على الحدود السورية، حيث تفقّد الوحدات التركية وهدّد بالقيام بعمل عسكري مباشر ضدّ سوريا إذا لم تطرد زعيم حزب «العمّال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، الذي كان يقيم في دمشق، فغادرها في 9 تشرين الأول (وهو اليوم نفسه الذي دخل فيه الجيش التركي شرقي الفرات بعد 20 عاماً!). وقّع الطرفان بعد ذلك، في 22 تشرين الأول 1988، على «اتفاقية أضنة» التي تضمّنت التنسيق والتعاون المشترك ضدّ «العمّال الكردستاني» وباقي التنظيمات «الإرهابية» التي تهدّد أمن الدولتين.
وقال إردوغان، الأسبوع الماضي، إن «هذه الاتفاقية تعترف للقوات التركية بالبقاء في سوريا إلى ما تشاء». وناشد الجانب الروسي اتخاذ موقف واضح لإجبار الجيش السوري على وقف عملياته العسكرية في المنطقة، وهدّد بإلغاء اتفاقيات «أستانا» و«سوتشي»، معتبراً أن روسيا لم تلتزم بها. ومن العاصمة الأوكرانية كييف، أكد إردوغان «استعداد تركيا للردّ براً وجواً على أيّ عدوان سوري على القوات التركية الموجودة في المنطقة»، وتوقّع نزوح حوالى مليون سوري من إدلب ومحيطها، مشيراً إلى دراسة إمكانية «استضافة هؤلاء في مخيّمات داخل الأراضي السورية وقرب الحدود مع تركيا». ولم يهمل الرئيس التركي إرسال إشارات واضحة إلى موسكو، إذ قال: «تركيا لم ولن تعترف بضمّ روسيا منطقة القرم إليها في 18 آذار 2014».
واعتبرت الأوساط الدبلوماسية توقيت الزيارة مقصوداً من إردوغان، إذ تشهد علاقاته بنظيره الروسي فلاديمير بوتين فتوراً وتوتراً أحياناً، بسبب آخر التطورات في إدلب، بعد أن رفضت موسكو وقف العمليات العسكرية السورية والروسية المشتركة في المنطقة. والتقى إردوغان في كييف مع جميل قرمللي أوغلو، زعيم أتراك القرم، وبحث معه تفاصيل الدعم التركي لهم. كما بحث مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المزيد من إمكانيات التعاون المشترك في مختلف المجالات، وأهمّها العسكرية. وتحدثت المعلومات الصحافية عن مساعدات مالية بقيمة 200 مليون دولار قدّمتها أنقرة للجيش الأوكراني. كما سبق أن أفادت المعلومات باتفاق وقّعت عليه شركة الطائرات المسيّرة التي يملكها سلجوك بيرقدار، صهر إردوغان، بهدف تطوير هذه الطائرات والتعاون المشترك في مجال محرّكات الطائرات والدبابات التي تسعى أنقرة إلى تصنيعها، بعد رفض الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا مساعدتها في هذا المجال.
تستبعد أوساط الرئيس التركي تراجعه عن موقفه الحالي


وترى الأوساط الدبلوماسية في مساعي إردوغان للتنسيق والتعاون مع كييف ورقة يريد أن يساوم بها بوتين، وهو ما سعت إليه أنقرة أواسط الشهر الماضي، عندما دعت إلى ضمّ جورجيا التي لها مشاكل حدودية مع روسيا إلى «الحلف الأطلسي». وكانت أوساط المعارضة التركية اتهمت الرئيس بالعمل على شق قناة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة، بحيث تستطيع السفن الحربية الأميركية والأطلسية المرور من هذه القناة، وهو ما تمنعه اتفاقية «مونترو» لعام 1936، والتي تضع شروطاً معيّنة لمرور السفن الحربية من مضيق البوسفور وتحدّد أحجامها وحمولاتها، ولا تسمح لها بالبقاء في البحر الأسود سوى 20 يوماً. والجدير ذكره أن الولايات المتحدة تريد تمرير سفنها وغواصاتها من القناة الجديدة إلى البحر الأسود لتبقى في موانئ رومانيا وبلغاريا، وهما دولتان عضوان في «الأطلسي»، وهو ما سيزعج موسكو ويهدّد أمنها القومي في البحر الأسود، الذي سيتحوّل في هذه الحالة إلى بحيرة أطلسية ويمنع على السفن الروسية التحرّك بحرّية فيه ومنه باتجاه البحر المتوسط.
جاءت المفاجأة في مقال كتبه برهان الدين دومان في موقع «معهد سيتا للدراسات الاستراتيجية» الموالي لإردوغان، إذ استنجد دومان بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وألمانيا بالذات، للتصدّي لمشاريع روسيا ومخططاتها في سوريا والمنطقة، في إشارة منه إلى تغيير محتمل وقريب في العلاقات التركية ــ الروسية في حال فشل الحوار المكثف بين أنقرة وموسكو لمواجهة التطورات السريعة والخطيرة في إدلب، مع استمرار العمليات العسكرية السورية ومقتل الجنود الأتراك. تستبعد أوساط إردوغان تراجعه عن موقفه الحالي، وذلك بعد أن نجح في شحن المشاعر القومية في الشارعين السياسي والشعبي. فقد أكد حليفه زعيم حزب «الحركة القومية»، دولت بهجلي، «ضرورة تلقين الأسد درساً لن ينساه والتخلّص منه»، فيما أعلنت أحزاب المعارضة استنكارها لـ«العدوان السوري».