تعليقاً على مقتل زعيم «داعش»، أبو بكر البغدادي، قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنه «قُتل كالكلب. لم يقتل كالبطل بل كجبان... أصبح العالم الآن أكثر أمناً»، ومن ثم خصّ بالشكر روسيا وتركيا وسوريا والعراق والأكراد السوريين. أما بريت ماك غورك، مبعوث الرئيس الأميركي الخاص السابق للحرب على «داعش»، فقد رأى أن مقتله نبأ عظيم للولايات المتحدة ولبقية «العالم المتحضر»، وهنّأ القوات الخاصة وجهاز الاستخبارات على «إنجازهم». الولايات المتحدة والعالم «الغربي المتحضّر» الذي ما زالت تقوده إلى الآن يحتاجان بشدة في هذه الأيام إلى انتصارات، حتى لو كانت وهمية. قتل البغدادي، الذي كان مطارَداً ومطلوباً، حيّاً أو ميتاً، لأهم الأطراف الدولتية وغير الدولتية الحاضرة والمتنازعة في سوريا والعراق، بعد تدمير دولته العتيدة، هو أحد هذه الانتصارات الوهمية. قد يستفيد ترامب انتخابياً من هذا الصيد السهل، غير أن من بين نتائجه دفع خلايا «داعش» التي يعاد تشكيلها إلى استهداف القوات والمصالح الأميركية أولاً. من جهة ثانية، فإن قتل البغدادي، الذي انقطعت به السبل، لن يسمح بالتعمية على حقيقة أن مآلات الصراع في سوريا تأتي لمصلحة خصوم واشنطن.بعد الإعلان عن موت زعيم «داعش»، بدأ بعض الأطراف في الإقليم يتبارى لإثبات أنه لعب الدور الحاسم قبل غيره في تسهيل وصول الأميركيين إليه. وبحسب خلية الإعلام الأمني التابعة لوزارة الدفاع العراقية، فإن «الاستخبارات العراقية هي من قدمت إلى الأميركيين المعلومات الدقيقة عن مكان وجود البغدادي في سوريا». «قسد»، من جهتها، كانت قد أعلنت، في بيان لها، عن مساعدتها للقوات الأميركية في العملية التي أدت إلى مقتله. معلومات أخرى أفادت بأن الاستخبارات التركية كانت لها مساهمة مهمة في كشف مخبأ البغدادي. مصدر مطلع أكد، لـ«الأخبار»، أن «هيئة تحرير الشام»، التي أخذت بخيار السعي لاكتساب الاعتراف الغربي بأيّ ثمن، وعبر تقديم قدر كبير جداً من التنازلات، شرعت لإثبات حسن نواياها في عملية احتواء وتحجيم وتصفية تدريجية لبقايا «القاعدة الأصلية» المجتمعين في ما يسمى «حراس الدين»، بالتعاون مع الاستخبارات التركية. ويشير المصدر إلى عدة عمليات اغتيال وقعت ضد مسؤولين في هذه المجموعة، كانت بتدبير من «هيئة تحرير الشام» أو بتواطؤ منها. وعلى الرغم من أن أغلبية «حراس الدين» كانوا على خلاف معلَن مع «داعش»، إلا أن جناحاً بينهم حافظ على صلات تعاون وتنسيق معه. هذا هو سبب إصدار «الحراس» بياناً في شباط الماضي يهدّد بالفصل من التنظيم والملاحقة القضائية كلّ من يحافظ على صلات مع «داعش». ووفقاً للمصدر، فإن البغدادي لجأ إلى عناصر من الجناح المذكور في الفترة التي تلت معركة الباغوز في الشرق السوري خلال آذار الماضي، والتي شهدت ازدهاراً قلّ نظيره لشبكات تهريب مقاتلي «داعش» باتجاه منطقة إدلب أو تركيا. «هيئة تحرير الشام»، التي لديها اختراقات في أوساط «الحراس»، علمت بوجود البغدادي، وأطلعت الاستخبارات التركية على ذلك.
قد نسمع في المقبل من الأيام روايات جديدة عن كيفية تحديد موقع البغدادي، وعن مشاركة جهات أخرى في هذه العملية. المؤكد هو أن الرجل بات هدفاً مشتركاً لجميع أفرقاء النزاع على الساحة السورية والعراقية، على رغم الصراع في ما بينهم، وأن موته لا يمكن أن يُحسَب إنجازاً نوعياً كما يجري تصويره. سيحفّز هذا الأمر أنصار «داعش»، بعد أن حاصرت القوات الأميركية زعيمهم ففضّل أن يفجر نفسه مع عائلته بدلاً من الاستسلام، على منح الأولوية لقتال الأميركيين قبل غيرهم. وعلى الأغلب، فان أنباء غير سارة ستلي تلك التي أفرحت ماك غورك وعالمه «المتحضّر».