قد يجد المسؤولون الإسرائيليون ما يسلّون به أنفسهم إزاء حقيقة أنهم لم يكونوا على علم بقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إعادة الانتشار في شمال سوريا، لكنهم لن يجدوا مثل ذلك إزاء التداعيات الاستراتيجية التي يخشون تواليها جراء مواصلة الولايات المتحدة سياسة الانكفاء في المنطقة. فبعد الرسائل المقلقة التي انطوى عليها ارتداع إدارة ترامب عن الردّ على إسقاط إيران طائرة التجسس الأميركية، وعلى استهداف منشآت «أرامكو»، أتى قرار الانسحاب من جزء من الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا ليلقي بثقله على المؤسستين الأمنية والسياسية في تل أبيب.قد يكون مفهوماً التزام المستوى الرسمي الإسرائيلي الصمت حتى الآن إزاء القرار؛ إذ هو ليس إلا تفادياً لردود فعل لن تؤدي سوى إلى مزيد من الخسائر. لكن مهمة التعبير عن مستوى الغضب الذي يسود أروقة القرارين السياسي والأمني تولّاها المعلّقون والخبراء الذين اتفقوا على أن الانسحاب الأميركي من سوريا سيؤدي إلى اختلال المعادلة التي رست بعد سنوات من الصراع، وسيشكّل خطوة إضافية لمصلحة روسيا وإيران وسائر أطراف محور المقاومة، كما سيضع أمام إسرائيل تحدّيات استراتيجية جديدة، وخصوصاً أنه يؤكد لها أنها لا تستطيع الاعتماد على ترامب في سوريا، سوى في ما يتصل بتقديم الدعم للهجمات التي تشنّها هناك.
أكد مسؤولون إسرائيليون أن القيادتين السياسية والأمنية فوجئتا بقرار ترامب


وفيما أكد مسؤولون إسرائيليون أن القيادتين السياسية والأمنية فوجئتا بقرار ترامب التخلي عن القوات الكردية، لفتت وسائل إعلامية إسرائيلية إلى أن القرار أتى بعد مناقشة المجلس الوزاري المصغر حرص الرئيس الأميركي على تجنب أيّ مواجهة في الشرق الأوسط، بما في ذلك مع إيران، في ظلّ اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد نحو عام من الآن. وبالنظر إلى سلسلة المحطات التي خيّبت الرهانات الإسرائيلية، أجمع معظم المعلقين على أن القلق يسود المؤسستين السياسية والأمنية إزاء الخيارات التي ينتهجها ترامب، وما قد يقدم عليه لاحقاً. وفي هذا الإطار، رأى المعلق السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، شمعون شيفر، أن «الخلاصة الحاسمة هي أن ترامب أصبح بالنسبة إلى إسرائيل عكازاً متداعياً، ولم يعد بالإمكان الاعتماد عليه»، معرباً عن خشيته من أن «تواصل إيران تحدّي إسرائيل، وتضطرّها إلى مواجهة هذا التهديد من دون مظلّة أميركية». وانتهى شيفر إلى أن مواقف ترامب الأخيرة «ليست مجرد سكين في ظهر الأكراد، بل سكين في ظهرنا أيضاً».
في السياق نفسه، وصف المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، قرار الرئيس الأميركي بأنه «رسالة سيئة» إلى كل حلفاء واشنطن في المنطقة. ورأى أن هذه الخطوة توجد الأرضية لتحقيق مصالح لاعبين آخرين في الساحة السورية، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، و«داعش»، والنظام السوري، وأيضاً وبشكل غير مباشر حلفاء الرئيس بشار الأسد، روسيا وإيران. أما بالنسبة إلى إسرائيل، فنبّه هرئيل إلى أن القرار هو شارة تحذير مفادها: «إلى أيّ حدّ يمكن الاعتماد على الرئيس الأميركي الذي جرى تقديمه هنا، حتى اللحظة الأخيرة، بصفته أكبر صديق لإسرائيل في واشنطن على الإطلاق؟»، مضيفاً إن هذا القرار سيدفع أيضاً الحكام في الأنظمة الموالية للولايات المتحدة في شتى أنحاء الشرق الأوسط إلى التساؤل إلى أي مدى يمكن الاعتماد على ساكن البيت الأبيض؟ ولم يفت هرئيل التذكير بمشهد اصطفاف نتنياهو ووزرائه قبل أشهر في حفل إطلاق اسم ترامب على مستوطنة وهمية في هضبة الجولان. وفي مقارنة بين مشهدين، رأى هرئيل أنه مرة أُخرى يُطرح السؤال عمّا إذا كان الاعتماد على ترامب مبالغاً فيه.