الأزمة لم تقلّل من وظيفة المشغولات والأونصة الذهبية كوسيلة ادخار آمنة وقليلة المخاطر
يؤخذ على الحكومات السورية المتعاقبة، خاصة في فترة ما قبل الأزمة، أنها أهملت زيادة احتياطيات البلاد من الذهب، تماماً كما فعلت مع احتياطي القطع الأجنبي. وبحسب أستاذ النقد والمصارف في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، علي كنعان، فإن «الظروف الاقتصادية كانت مواتية سابقاً لزيادة حجم الاحتياطيات الذهبية، بالنظر إلى أن سوريا مشهورة بصناعة الحليّ والمشغولات الذهبية، إلا أن الإجراءات الحكومية، التي كانت تضع عوائق كثيرة أمام استيراد الذهب الخام وتصديره مصنوعاً، حالت دون توسع تلك الصناعة وزيادة قدراتها وإيراداتها التصديرية، وتالياً تحسين كمية الاحتياطي لدى المصرف المركزي». وهو احتياطي كان يمكن استثماره لمواجهة التداعيات الاقتصادية السلبية الناجمة عن الأزمة، سواء «عبر دعم ركائز قوة الاقتصاد الوطني، أو من خلال تسهيل بيع بعض منه وشراء العملات الصعبة عند الحاجة»، يقول رئيس فرع جمعية العلوم الاقتصادية في اللاذقية، سنان علي ديب. ويقدم الأخير، في حديثه إلى «الأخبار»، وجهة نظر مغايرة في ما يتصل بعدم زيادة البلاد احتياطياتها من الذهب خلال سنوات الرخاء. إذ إنه «لم يكن يتوقع أحد مثل هذه الأزمة، وكل هذا الدمار والخراب، إضافة إلى وجود احتياطيات نقدية كانت آنذاك كافية وكبيرة، ولا سيما أنها كانت تترافق مع مؤشرات اقتصادية من قبيل ميزان نقدي رابح عبر اقتصاد متكامل ومتنوع، وتالياً لم يكن احتياطي الذهب يعطى الأهمية الكبرى» وفقاً لديب، الذي يلفت إلى أن «التطورات الحاصلة حالياً في ما يتعلق بسعر الصرف غالباً ما تكون وهمية، وذلك نتيجة مضاربات وإرهاب اقتصادي، أي إن الأمر بعيد كل البعد عن التفاعلات الاقتصادية».
ادخار الأفراد
حتى بالنسبة إلى الأفراد، فإن الأزمة، وما تخلّلها من تقلّبات كبيرة في سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية، لم تقلّل من وظيفة المشغولات والأونصة الذهبية كوسيلة ادخار آمنة وقليلة المخاطر. فإلى جانب تذبذب سعر الصرف ارتفاعاً وانخفاضاً، فإن وسائل الادخار الأخرى التي كانت تنافس الذهب، وتحديداً قطاع العقارات، تأثرت وتضررت مباشرةً وكثيراً بمجريات الحرب، وهو ما جعلها عاجزة عن استقطاب ما بقي من مدخرات السوريين. وهنا، يستشهد كنعان على احتفاظ الذهب بمكانته الادخارية لدى السوريين بخطوة «جمعية الصاغة»، المتمثلة بطرح الأونصة السورية خلال فترة الأزمة لتلبية احتياجات الأفراد الراغبين في شراء الذهب للادخار، ومن ثم خطوة طرح نصف أونصة لتكون في متناول أصحاب المدخرات الصغيرة. ومع تأكيد حوراني أن المشغولات الذهبية مثلت وسيلة ادخار لأصحاب المدخرات والمداخيل أثناء الحرب، إلا أنه يعتقد أنها كانت وسيلة «متحركة» مثلها مثل باقي وسائل الادخار كالدولار والعقارات وغيرها، بمعنى أن الأفراد كانوا يحركون مدخراتهم تبعاً لتقلّبات أسعار السوق، فتارة يبيعون الذهب لشراء دولار أو عقار، وتارة أخرى يستبدلون بدولاراتهم قطعة ذهبية أو أكثر، وهكذا، مطلقاً على ذلك تسمية «سياسة الهروب للأمام».
في المقابل، إن ارتفاع أسعار الذهب في السوق المحلية قياساً بأسعاره السابقة، وذلك تحت تأثير عاملين أساسيين، هما الأسعار العالمية وارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة، ترك تأثيره السلبي بشراء العائلات السورية للمشغولات الذهبية في المناسبات الاجتماعية التقليدية كالخطبة والزواج وأعياد الميلاد وغيرها، واستبدال المبالغ النقدية أو المشغولات الفضية وغيرها بها. وأحياناً، كان يصل هذا التراجع في مبيعات سوق الذهب إلى حدّ الجمود التام، خاصة لدى تسجيل ارتفاع كبير في الأسعار، ومع تقلّبات سعر الصرف في السوق الموازي، كما حدث في الفترة الماضية.