تبدو مظاهر التكيف مع الأوضاع المستجدة على الشعب السوري، في ما يخص القطاع النفطي وأزمة الوقود، متناسبةً والأداء الحكومي. إذ سرعان ما تأقلم السوريون مع الحلول الآنية التي تبتدعها الحكومة، وإن على مضض. كل الحلول مقبولة، طالما أنها تتضمن تأمين المادة التي فُقدت أسابيع عديدة في السابق. وبعدما كانت الشركة السورية لتخزين المواد البترولية وتوزيعها قد اهتمت بنشر جداول خاصة بالتوزيع بين المحطات، وفق مخصصات محدّدة لكل محطة، وبحسب المناطق، فقد ألِف السوريون مراكز توزيع الوقود الأقرب إلى كل منهم، بما يقتضيه مكان وجوده. محطاتٌ تم تخصيصها لوسائل نقل محددة كسيارات الأُجرة، وأُخرى للحافلات الصغيرة، فيما تم تخصيص العدد الأكبر لتزويد السيارات الخاصة. يستمرّ هذا الإجراء في مدن عديدة، منها طرطوس، إذ تُصنّف المحطات بحسب أنواع وسائل النقل بين سيارات خاصة وباصات للنقل الداخلي وجرارات وآليات أخرى. جداول يومية تحدّد مخصصات كل محطة بين الأرياف والمدن ينتظرها المواطنون، متسائلين في ما بينهم عمّا يناسب كلّاً منهم بحسب نوعية الوقود في المحطات المذكورة في الجداول. لكن في مدن أخرى كدمشق واللاذقية، تم إلغاء كل ذلك أخيراً، حيث أضحت معظم المحطات تزود السيارات الخاصة بالوقود اللازم، في حين جرى تخصيص بضع محطات خارج المدن أو على مداخلها لتزويد سيارات النقل العامة بمخصصاتها النفطية.وتُحسب للسائقين سرعة تكيفهم مع ظروف الحصار المفروض على سوريا، على رغم تخفيض مخصصات السيارات الخاصة من 200 ليتر إلى 100 فقط، عبر الكميات المحددة لكل بطاقة ذكية، ولا سيما أن التخفيض المذكور جاء بما دون المخصصات الكافية للاستهلاك الشهري بالنسبة إلى السيارات الخاصة والعامة. وكانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد أثارت جدلاً واسعاً في الشارع السوري الشهر الفائت، مع تحديدها سعر ليتر البنزين «أوكتان 90» غير المدعوم بـ 425 ليرة بدلاً من 375 ليرة، فيما انخفض سعر البنزين «أوكتان 95» من 600 ليرة إلى 550 ليرة لليتر الواحد، ليبقى سعر ليتر البنزين المدعوم على حاله مقدّراً بـ 325 ليرة لكل ليتر. وأعلنت الوزارة تبديل سعر البنزين في سوريا كل شهر بحسب السعر العالمي، لافتة إلى أن الشريحة المتأثرة بالتعديلات المذكورة على الأسعار لا تتجاوز 12% من المستهلكين.
محاولة طمأنة لم يتقبّلها الكثير من السوريين، في ظلّ الحديث عن السعي إلى التخفيف من العجز الحكومي عبر زيادة سعر البنزين ورفع الدعم تدريجياً، ولا سيما أن السعر العالمي لم يتغير منذ مدة. ومع اختفاء طوابير السيارات المتزاحمة على محطات الوقود، يتوقع بعض أصحاب هذه المحطات أن تشهد الأسابيع المقبلة ضائقة نفطية إضافية، إن لم تُتخذ تدابير حكومية لمواجهة التحديات الجديدة. ويربط هؤلاء بين أي أزمة محتملة وآثار الاعتداء الأخير على مصب بانياس النفطي، منبهين إلى أن وسائل الحصار لن تتوقف، في محاولة لتصعيد الضغوط على الدولة السورية.