بعد جملة من الاجتماعات اللافتة التي جمعت في بروكسل وباريس مسؤولين أميركيين بآخرين من الحلفاء، وممثلين عن المعارضة السورية والأمم المتحدة، رشحت جملة معطيات عن الأوساط الأميركية، تلمّح إلى وجود «تفاهمات» جديدة حول القوات التي ستعوّض فجوة تقليص عديد القوات الأميركية في سوريا. وعلى رغم أن الحديث عن هذا الطرح خرج إلى العلن قبل أشهر طويلة، فإن الفترة السابقة لم تحمل أي إشارات على «أجواء إيجابية» في هذا الشأن، وسط غياب موقف أوروبي واضح، واعتراض تركي على وجود قوات «غير تركية» في «المنطقة الآمنة» المفترضة شرقي الفرات. ما استجدّ أمس، هو أن ممثل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السورية، ومبعوث البيت الأبيض إلى «التحالف الدولي»، جايمس جيفري، كشف في مقابلة مع موقع «Defense One» عن قرب إعلان عدة دول أعضاء في «التحالف الدولي» (في غضون أسابيع) أنها ستعوّض فراغ القوات الأميركية التي قد تنسحب من سوريا، في خطوة ستمثّل (إن تمّت) «نجاحاً» لمساعي الرئيس دونالد ترامب، بتوسيع انخراط حلفائه في سوريا، لمصلحة تقليص عديد القوات الأميركية المنتشرة هناك. ولم يحدد جيفري هوية البلدان التي تنوي المشاركة في هذه الخطة، موضحاً أن هذا التفصيل سيُترك لحكومة كل منها، لتعلن بنفسها عن ذلك، إن رغبت. وأعاد جيفري التذكير بأن ترامب ملتزم «الحفاظ على قوة (عسكرية في سوريا) لفترة غير محددة، مع مواصلة تخفيض عدد القوات بشكل دقيق ومسؤول»، معتبراً أن هذا التوجه الجديد «هو تنفيذ لمبدأ تقاسم الأعباء، الذي طرحه الرئيس ترامب، على أرض الواقع».
جيفري: هناك تقدم على مسار «اللجنة الدستورية»

مكاشفة جيفري هذه لم تأت منفردة، بل أشار ــــ على خلاف مندوب بلاده لدى مجلس الأمن ــــ إلى أن هناك «أملاً» في تحقيق تقدّم على مسار محادثات جنيف السورية، مؤكداً ما أشيع عن وجود «توافق» على تشكيلة الثلث الثالث من «اللجنة الدستورية». وقال الدبلوماسي الأميركي: «نحن قريبون جداً من تشكيل لجنة دستورية... الخطوة التالية، إن نجح المسعى، هي إطلاق عملها في جنيف وبدء عملية سياسية، ستمثّل تغييراً هائلاً في الصراع السوري برمته»، معرباً عن «تفاؤل» باحتمال تفعيل عمل «اللجنة» خلال العام الجاري. وكان جيفري قد أجرى جملة من المحادثات في بروكسل وباريس، ضمن إطار «المجموعة المصغرة» وعلى هامشها. وأحد أبرز تلك اللقاءات، ربطاً بإعلانه الأخير، كان مع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الذي سبق أن رفض علناً وجود قوات أوروبية ــــ أميركية مشتركة، لحفظ أمن الحدود بين سوريا وتركيا في منبج وشرقي الفرات.

تصعيد واسع بين الجيش والقوات التركية
في موازاة تلك التطورات، شهد فجر أمس (الجمعة) تصعيداً واسعاً بين الجيش السوري والقوات التركية المنتشرة داخل منطقة «خفض التصعيد» في إدلب. جاء ذلك عقب إعلان وزارة الدفاع التركية مقتل أحد جنودها وإصابة آخرين بجروح، جراء قصف استهدف موقعاً تابعاً لها قرب شير مغار في ريف إدلب الجنوبي الغربي. وعقب صدور البيان، تبادل الطرفان القصف المدفعي، وأعلنت أنقرة أنها قصفت مواقع للجيش السوري واستدعت الملحق العسكري في السفارة الروسية، وأبلغته أن الرد على الاعتداء «سيكون قاسياً». التوتر بين القوات التركية والسورية تكرر خلال الأشهر الماضية بشكل لافت، إذ وصل عدد الاستهدافات التي طاولت نقاط المراقبة التركية إلى ستة (مع القصف أول من أمس)، وباتت القوات التركية تردّ على القوات الحكومية، التي لم تتبنّ أياً من العمليات حتى الآن. ولم تخفّ وتيرة التصعيد خلال ساعات النهار الأولى، إذ كثّف الجيش قصفه على مواقع الفصائل المسلحة القريبة من خطوط التماس، وأطلق بعدها تحرّكاً برياً باتجاه تل ملح والجبين. وحتى مساء أمس، تواصلت الاشتباكات بوتيرة عالية، من دون أن تتغير خريطة السيطرة على الأرض.