مع اتخاذ الأزمة السورية أشكالاً جديدة تعمّق معاناة الحرب التي لا تزال تستنزف القطاعات الخدمية، تطول طوابير الوقوف أمام محطات الوقود، ويرتفع معها مستوى التذمر الشعبي. وفي ظلّ استمرار مؤشرات مرحلة «شدّ الأحزمة» التي تتزامن وتزايد الصعوبات والمعوّقات في وجه الحكومة، ينتظر السوريون الفرَج عبر حلول قد تأتي بها دول حليفة وصديقة، وسط تضييق الخناق الأميركي على البلاد بشكل غير مسبوق. معلومات حصلت عليها «الأخبار» تكشف صعوبة الموقف الحالي الذي أجبر مؤسسات حكومية على اتّباع سياسة تقشّف في استخدام مخصصات المحروقات لتحريك آلياتها بعد تخفيض ما يقارب 50% منها، ريثما توجد حلول، بعضها يكاد يكون أصعب من فكّ الحصار نفسه، كالانفتاح على الجوار العراقي مثلاً. كل ذلك وسط توجيهات رسمية بعدم استخدام أكثر من سيارة واحدة لعائلات المسؤولين، في محاولة للتخفيف من استفزاز الشارع بأي مظاهر بذخ لا يسمح الظرف الحالي بتقبّلها. غير أن المطاعم التي يرتادها الأغنياء، مثلاً، تفيض بالنور رغم انقطاع التيار الكهربائي، أي أن أصحابها لا يواجهون صعوبة في تأمين الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية، رغم كل ما يعاني منه المواطنون.
إلغاء الدعم مقابل زيادة الرواتب واحد من عشرات المقترحات البديلة

والأسوأ أن لا أفكار خلّاقة تبتدع حلولاً تطمئن الناس، ولا آليات مغامرة تُبهر الشارع باستحضار بدائل مؤقتة لمصلحة المواطنين، ولا مبادرات مُوجّهة إلى رجال الأعمال السوريين بغية طرح مشاريع استثمارية في مجال الطاقة الشمسية البديلة، يمهَّد لها عبر دراسات حقيقية تفي بتزويد المنازل بما يقرب من نصف حاجتها إلى الكهرباء. ولم تخرج على السوريين دراسات عن آليات تخفيف الهدر الحاصل في المؤسسات الرسمية، من خلال الدوام المتناوب لموظفي القطاع العام، أملاً في تقليص استهلاك كميات المحروقات اللازمة للمواصلات. كذلك إن أي بدائل محتملة لوقف الاستنزاف في طاقات الدولة، من خلال توفير ربط معلوماتي للكثير من الوظائف أو تفعيل الفواتير وإتمام بعض المهمات عبر شبكة الإنترنت، ما زالت خارج إطار البحث والطرح والإقرار، بانتظار إعادة هيكلة النظام الوظيفي التي حلم السوريون بإنجازها عبر مشروع الإصلاح الإداري الموعود. والواقع أن المؤشرات الحالية تقود إلى مرحلة من انسداد الأفق بشكل تام، وسط خشية من انهيار الشبكات الخدمية، فيما لو أزفت لحظة فقدان الوقود. اللافت أن هذه المرحلة من الصعوبات المتزايدة كان من المفترض أن تبدأ قبل أكثر من شهرين، بحسب تأكيد مستشار رئيس الحكومة للشؤون الإعلامية ناظم عيد، الذي اعتبر أن الجهود الاستثنائية للحكومة سمحت بإيجاد حلول مؤقتة. وإذ يرفض عيد في حديث إلى «الأخبار» إعطاء مهل زمنية للتحسن بالنسبة إلى ملف المحروقات على المدى المنظور، فإن التعويل ـــ بحسبه ــــ هو على مساعدة «الأصدقاء» لإحداث ثغر محتملة في الحصار المفروض.
وللإنصاف، إن المحاولات الحكومية مستمرة لفك الطوق بمساعدة أصدقاء سوريا، بهدف تمرير الشحنات اللازمة عبر وسطاء، إلا أنها محاولات يجري رصدها وكشفها وملاحقتها تباعاً، فيما وصلت حدة الحصار إلى حدّ سحب تراخيص من شركات الأدوية الأجنبية التي تسمح بتزويد وكلاء سوريين أو من دول الجوار بمنتجاتها الطبية، إضافة إلى سحب بضائع ومعدات طبية أميركية من أحد الوسطاء بعد عبورها الأراضي السورية. أما في الكواليس الحكومية، فإن تسريبات عن دراسة تتمحور حول إلغاء الدعم الرسمي عن المحروقات مقابل تعويض هذا الدعم عبر زيادة للرواتب، لا تزال بين عشرات المقترحات والدراسات، ضمن رحلة البحث عن حلول جديدة.
ومع اتجاه الأنظار نحو الطريق البري والمضي شرقاً لإيجاد الحلول، تعدّ شركاتٌ آلافَ الشاحنات المزودة بخزانات للوقود، التي تنتظر على طول الحدود المجاورة ريثما يجري التوصل إلى تسوية ما من شأنها تحسين الأوضاع خلال مدة أقصاها تموز المقبل، وإلا فسيكون الاختناق نتيجة حتمية للواقع الحالي، فيما تفتح الظروف القائمة الباب على تساؤلات مخيفة عن الضغط السياسي والاقتصادي المتواصل على الدولة السورية، وما إذا كان سيحمل تغييرات أو تنازلات لم تكن مقبولة سابقاً بالنسبة إلى الشارع.