انتهى المؤتمر الأوروبي ــ العربي أمس من دون التوصل إلى بيان مشترك، بسبب الخلافات في التوجهات. إلا أنّ اللافت كان تعداد فيديريكا موغريني، في المؤتمر الختامي، سلسلة من الأمور المتفق عليها بين الجانبين، ومن بينها «القدس عاصمة مشتركة» لإسرائيل وفلسطين! فهل ما حصل «قلة انتباه» عربية؟ أم نجح الاتحاد الاوروبي في «توريط» وزراء الخارجية العرب بهذا الموقف؟ثلاثة أسطر كانت نتيجة اجتماع وزراء الخارجية بشأن التعاون بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، الذي عُقد أمس في بروكسل (بلجيكا). بيان ختامي عام، «تناول التحديات التي تواجهها أوروبا والعالم العربي، والالتزام بتعزيز الشراكة الأوروبية - العربية لبناء السلام والاستقرار وضمان الأمن، والحديث عن الصراعات الاقليمية ومناقشة التعددية وحقوق الانسان»، من دون أن يتضمن مواقف سياسية واضحة. يوحي البيان بأنّ الاجتماع كان «فولكلورياً»، مع غياب جدول أعمال له. ويُقدّم صورة «غير مُشجعة»، عمّا ستؤول إليه القمة العربية ـــ الأوروبية التي ستُعقد في شرم الشيخ في 24 و25 الشهر الجاري، مع تأكيد مصادر دبلوماسية أنّ «اجتماع أمس لن يكون أساسياً في الإعداد للقمة، التي أصبح بيانها جاهزاً تقريباً، مع وجود ارتباك في الإعداد لها، في ظلّ عدم وجود حماسة أوروبية لها». الشرط الذي تمكّن الاتحاد الأوروبي من فرضه، هو عدم حضور رئيس السودان عمر البشير.
نتيجة اجتماع بروكسل، أمس، كانت متوقعة، نظراً إلى الكمّ الهائل من الاختلافات في مقاربة الملفات، تارةً بين الدول العربية والأوروبية، وطوراً داخل الاتحاد الأوروبي نفسه. المؤشرات السلبية بدأت ترشح منذ يوم الجمعة الماضي، مع عدم توصّل «الاتحاد» و«الجامعة» إلى الاتفاق على بيان مشترك حول القضايا الشائكة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثمّ إلغاء اجتماع كبار المسؤولين في كلّ من الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية يوم الأحد. المحاولة الأخيرة لوضع بيان مشترك، حصلت أول من أمس، في اجتماع عُقد بين السودان (لأنها تترأس المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية) والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية والمفاوضين الأوروبيين، ثمّ انضمت إليه مصر والأردن والجزائر. فكتب المجتمعون بياناً مؤلّفاً من ثلاث أوراق، أخذ الجانب العربي وعداً من المفاوضين الأوروبيين بأن يتم عرضه على دول الاتحاد الأوروبي. ولكن في النتيجة، لم تتحول المسودة إلى بيان ختامي للاجتماع المشترك بين وزراء الخارجية.
اشترط الاتحاد الأوروبي عدم حضور عمر البشير القمة الأوروبية ــ العربية


في البيان الذي لم يصدر، كان الجانبان الأوروبي والعربي قد أكّدا عدم مشروعية المستوطنات في الأراضي المحتلة، وشددا على استمرار الدعم السياسي والمادي لمنظمة «الأونروا»، مع الالتزام بحلّ الدولتين، من دون ذكر أنّ «القدس عاصمة مشتركة» (وهو ما اقترحه الأوروبيون ورفضته الدول العربية بعد الفيتو الذي وضعه الجانب الفلسطيني، الذي قدّم شرحاً يُمايز فيه بين الموقف العربي الرسمي بذكر القدس الشرقية وبين خطورة تبنّي تعبير «عاصمة مشتركة»). إلا أنّ المفارقة كانت في إعلان الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية فيديريكا موغريني، خلال المؤتمر الصحافي الختامي، عن توافق الجانبين العربي والأوروبي «حول 95 % من مجمل القضايا المطروحة للنقاش، كإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، وتمسّكهما بحل الدولتين في عملية السلام في الشرق الأوسط، على أن تكون القدس عاصمة مشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين». تكلمت موغريني بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط ووزير خارجية السودان الدرديري محمد أحمد، من دون أن يعترض أيّ منهما على كلامها، أو يصوّب لها رفض أن تكون «القدس عاصمة مشتركة»، رغم ما يعنيه ذلك من تماهٍ مع الموقف الأميركي وتصفية القضية الفلسطينية. فهل أن ما جرى كان نتيجة «قلة انتباه» (يستوجب الاقتناع بذلك الإفراط في حسن النية وصولاً إلى حد السذاجة)، أم أن موغريني كانت تنطق فعلاً باسم المجتمعين، أوروبيين وعرباً قرروا تقديم تنازل كبير بهذا الحجم؟
لم تتضمن الثلاث صفحات (والتي لم تصدر في ختام اجتماع أمس)، أي إشارة إلى موضوع النازحين السوريين في البلدان المضيفة، وإعادة تطبيع العلاقات العربية مع سوريا، بعد أن كان الاتحاد الأوروبي قد «فرض» على جامعة الدول العربية أنّ «الظروف السياسية لا تزال غير مؤاتية». الفقرة حول سوريا كانت تتضمن فقط «إدانة جميع الأعمال الإرهابية وانتهاكات حقوق الانسان المرتكبة ضد الشعب السوري. ونشير إلى أنّ أي حلّ دائم للأزمة السورية يشترط أو يفترض انتقالاً سياسياً صحيحاً بما يتوافق مع بيان جنيف 2012، وقرارات الأمم المتحدة، وبشكل خاص الـ2254». وأُشير إلى «إجراء مباحثات جدّية وبنّاءة حول آخر التطورات في سوريا وليبيا واليمن وسُبل تحقيق المصالحة وإيجاد الحلول السلمية والدائمة لهذه الدول». وتقول مصادر دبلوماسية لـ«الأخبار» إنّ عدم إصرار الدول العربية على ذكر إعادة العلاقة مع سوريا، «أدّى إلى تخطّي الحديث عنها، ليبقى جوهر الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية، ما يتعلق بحقوق الانسان في العالم العربي والهجرة غير الشرعية».