على خط موازٍ، يرى التقدير الاستخباري الإسرائيلي السنوي، كما ألمح هايمن، أن «حضور إيران يساند هذا الاستقرار»، وهو ما يكشف عن جوانب أساسية من خلفية تركيز الخطاب السياسي الإسرائيلي على الوجود الإيراني في الساحة السورية، خصوصاً أنه أضاف: «يمكن أن يُحدث (ذلك الوجود) مستقبلاً تغييراً مهماً في 2019، لبناء قوتها (طهران) على نحو يمكن أن يمثل تهديداً مستقبلياً لإسرائيل». مرة أخرى تؤكد «أمان» رسمياً أن منبع مخاوفها تكمن في استعادة سوريا قدراتها العسكرية والصاروخية وتطويرها، وهو ما ترى فيه تل أبيب تهديداً لا تستطيع البقاء مكتوفة الأيدي إزاءه. وتكشف أيضاً عن أن التقويم الاستراتيجي لمجمل التطورات التي شهدتها سوريا هو أن إسرائيل خرجت خاسرة من هذه الحرب، وباتت أمام بيئة إقليمية تنطوي على تهديدات لم تكن لتخطر على بال أي من قادتها.
«الاستخبارات الإسرائيلية»: 2019 عام بناء القوة لدمشق
يمهد هذا النوع من التقدير الاستخباري إزاء مستقبل سوريا المنظور لحقيقة أن إسرائيل عازمة على مواصلة اعتداءاتها في الساحة السورية، على أمل أن يساهم ذلك في الحد من المسار التصاعدي لدمشق ومحور المقاومة، وفقاً لما شخَّصه هايمن في كلمته. ومع أن كل اعتداء بات ينطوي على إمكانات تدحرجه (إلى مواجهة) لكن محدودية الخيارات تدفع تل أبيب إلى الإصرار على خيارها العدواني، وما ذلك إلا نتيجة قناعة راسخة بأن استكمال نهوض سوريا هو تهديد للأمن القومي الإسرائيلي، وتراجع لمكانة العدو الاستراتيجية على مستوى المنطقة.
مع ذلك، من الواضح أن القيادتين السياسية والعسكرية تدركان حجم القيود التي فرملت حتى الآن الكثير من السيناريوات، وأنها عندما حاولت تجاوز بعض المعادلات في نيسان/ أبريل الماضي (اعتداء مطار تيفور) كادت تتدحرج نحو مواجهة واسعة. كما تدرك تل أبيب الرسائل والمفاعيل الكامنة في الخيارات الانكفائية للولايات المتحدة، التي سوف تنعكس سلباً عليها، حتى لو حاولت المكابرة. والواقع أن عوامل متعددة تساهم في إحكام هذه القيود على مؤسسة القرار الإسرائيلي: بدءاً من استعادة النظام سيطرته على أغلب الأراضي، وإظهاره المزيد من الاستعداد للتصدي والمواجهة، إضافة إلى تطور قدرات محور المقاومة بصورة نوعية وغير مسبوقة في معادلات الصراع، وصولاً إلى استمرار الاشتباك السياسي مع موسكو، وهو ما ترى فيه تل أبيب عقبة رئيسية تحتاج المزيد من المعالجة.
برز كل ذلك في طيّات كلام هايمن: «هذا الحضور لإيران مع عودة الاستقرار إلى سوريا تحت المظلة الروسية أمر نتابعه بدقة». وفي مواجهة هذا الواقع المركب والمتعدد الأبعاد، تواصل تل أبيب مساعيها لتحييد الطرف الروسي والعودة معه إلى ما قبل الثامن عشر من أيلول/ سبتمبر الماضي، موعد سقوط الطائرة الروسية. ويحضر في هذا السياق الاعتداء الجوي الأخير على سوريا، الذي كان واضحاً أن أهدافه تتجاوز البعد العسكري، القائم بذاته، وإنما محاولة إيصال رسالة إلى «جهات عدة، ليس فقط طهران ودمشق وبيروت، وإنما موسكو».
وفق صحيفة «إسرائيل اليوم»، إن «روسيا غير راضية عن الهجمات الإسرائيلية، ليس لأنها مع إيران، وإنما لأنها ترغب في الهدوء للتمتع بثمار إنعاش الاقتصاد السوري. وفي نظرها المعادلة بسيطة: مواصلة الهجمات = فوضى = مال أقل»؛ ما قد يعني أن إسرائيل سوف تواصل اللعب على حافة التدحرج على أمل بأن يساهم ذلك في استدراج موسكو إلى التفاهم على صيغة تؤدي تحييدها كلياً وتدفعها إلى الضغط على الطرف الإيراني. لكن مشكلة هذا النوع من الرهانات أن تل أبيب لا تعتمد عليه انطلاقاً من قناعة راسخة بأرجحية تحققه، وإنما لأنه ليست لديها خيارات بديلة أكثر نجاعة.