حمص | محاولة القضاة الدخول إلى حي الوعر، المكتظ بالمدنيين، باءت بالفشل. اعتاد القضاة الذهاب صباحاً إلى عملهم اليومي في القصر العدلي جنوب غرب الحي الحمصي الشهير. لم تأمن الدولة دخول القضاة دون حماية. استمر دخولهم إلى «القصر» طوال أيام محاطين بجنود من الجيش والقوات الأمنية. استمرار فتح المبنى لم يكن له أي جدوى سوى تأكيد الدولة على سيطرتها وحضورها في هذا المكان.
ولإنجاح الأمر كان لا بد من تأمين دخول المحامين أيضاً، بالإضافة إلى المتهمين والمواطنين المراجعين الذين يقصدون المكان لتقديم الشكاوى. لكن دخول المواطنين إلى المبنى أمر مستحيل في ظل سيطرة «الجبهة الإسلامية» و«كتائب» أخرى على الحي، فالحكم بالعدل في نظر عناصرها وقادتها ينبع من الشرع فقط. إنه الحكم وفق وجهة نظر «لواء العز» و«كتائب الفاروق»، بحسب أحد الجنود المرابطين قرب دوار المزرعة. «من تلك المباني يخرج رصاص القنص. أرجو تراجع الجميع إلى الخلف»، يقول أحد الضباط، مشيراً إلى مباني «الجزيرة السابعة» التي تلوح من بعيد. الاتصالات مستمرة لإدخال القضاة، إنما لا جدوى من ذلك منذ أيام. يؤكد الضابط أن الدخول مستحيل، إذ أغلقت آفاق الحل في الحي الضخم. يوماً بيوم يتابع القضاة الأوضاع الأمنية في انتظار قدرة الدولة على تأمين هذه المخاطرة في حياتهم وحياة الجنود الذين يحمونهم.
أما محاولات إدخال المساعدات الغذائية، فقد نجحت جزئياً، لكن إدخالها خلال يوم واحد، تقابله أيام من انعدام الأمان... والطعام.
يعرف عن الجزيرة السابعة المطلّة على دوار المزرعة أن المسلحين يسيطرون على أبراجها الجنوبية، ما يسمح لهم بكشف الداخلين إلى الحي من ذلك الاتجاه. فيما يسيطر الجيش شمالاً على بعض أبراجها، ويحاول السيطرة على بقية الأبراج، بهدف إيقاف عمليات القنص، مستثمراً خلوّ الجزيرة المتوترة من المدنيين. المباني الظاهرة من بعيد يغلّفها السواد، وتخترقها آثار القذائف والرصاص، بحكم موقعها على مدخل الحي من الجنوب الغربي. نهر العاصي يمر بمحاذاة الوعر جنوباً. ينتشر الجيش على طول النهر على نحو أفقي لتطويق المنطقة. ومهما كان الظرف العسكري صعباً، فإن خروج الحالات الإنسانية أمر مسموح به. يؤكد أحد الضباط: «الخروج من الحي مدروس، لا عشوائي».
المساكنة بين الدولة والمسلحين أمر قائم في الكثير من المناطق السورية. وهذه الحال لم تكن سوى محاولة من الدولة لإثبات سيطرتها في معظم المناطق والوصول إلى أبعد مواطن على الأرض السورية. يرابط جنود من الجيش على حاجز مستشفى البر شمالاً حتى الآن. الأمر مستغرب في ظل سيطرة المسلحين على الحي كلّه، إلا أن قيادة الجنود السوريين تحكم سيطرتها على خط إمدادهم. وبحجة منع الجيش من إدخال المحروقات إلى الحي، بدأ المسلحون بقطع أشجار الغابة الواقعة في الشمال الغربي. فيما يرابط حاجز آخر للجيش قرب مسجد أبو حذيفة النعمان على الجهة الغربية من الحي.
استمر التواصل بين مسلحي الوعر ومسلحي حمص القديمة أشهراً طويلة، إلى أن أغلق الجيش خطوط الإمداد بعد كشف أنفاق الصرف الصحي، جنوباً، المستعملة من قبل المسلحين للوصل بين المنطقتين، وهذا ما أحكم الحصار على حمص القديمة حتى وصلت نداءات الاستغاثة مؤتمر «جنيف 2». عرضت الدولة مراراً على المسلحين تسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم، عبر شخصيات من المجتمع المدني في الوعر ترفض واقع سيطرة المسلحين على حياة المواطنين. حصار الوعر لا يشابه حصار الأحياء القديمة وسط المدينة، إذ لا يزال خط إمداد خجول إلى الحي يمر بقريتي الرقة والمزرعة المجاورتين، اللتين تأثرت أعمال تجارهما سلباً، بحصار الجيش للحي، ما أدى إلى تذمرهم الدائم. يقول أحد الموظفين من أبناء الحي: «خرجت مخطوفة منذ أيام من أيدي الكتائب المسلحة. المفاوضات كانت جارية على إعادتها مقابل خزان مازوت. وهذا ما حصل».
يقدّر عدد المدنيين داخل الحي بما يقارب 400 ألف نسمة. العدد الكبير يعود إلى اكتظاظه بمراكز الإيواء، ما يجعل المنطقة أخطر خزان بشري في المدينة، فيما لو نشبت أية معارك قادمة. لا يستبعد العسكريون هذه المرة القيام بأي عملية عسكرية في الحي، إن اضطروا إلى ذلك، بعد فتح ممرات آمنة للسكان. إغلاق الطرق أمام الحلول الممكنة، جعل من مسلحي الوعر، كما مسلحي الزارة، يسعون إلى الخراب والحرب. وهو أمر لم تتجاوب الدولة السورية معه، إذ لا يزال درب السياسة مفتوحاً بالنسبة إلى العسكريين.