تبدو إسرائيل في وضع متراجع مع خيارات مقلصة، رغم المكابرة العلنية، إزاء كل مقاربتها في الساحة السورية، وضد ما تسميه «التمركز الإيراني» فيها. بات التهديد والوعيد والخطوط الحمر توازي انكفاءً قسرياً يتبيّن أن أسبابه ودوافعه أوسع وأقوى من قدرة إسرائيل الذاتية، ما لم تأت المؤازرة الأميركية التي يتبيّن أيضاً تعذّرها.يوماً بعد يوم، تتأكد الأزمة والهوّة في العلاقة بين روسيا وإسرائيل. هوّة لا يبدو أن عملية ردمها أو جسرها قريبة، ما يعني استمرار انكفاء تل أبيب وامتناعها عن استخدام الخيارات العسكرية، والبحث عن خيارات بديلة، مع أو من دون رهان فعلي على قدرتها في تحقيق النتائج، ومواجهة التهديد الإيراني وحلفائه، في سوريا ولبنان.
في مطالعة توصيفية، تعبّر عن إرباك إزاء تطورات الساحة السورية وتشابك تعقيداتها وفي الحد من خيارات إسرائيل، قال رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، درور شالوم، إن في سوريا خبرين: واحد جيد والثاني سيّئ. الجيد أن التمركز الإيراني في سوريا كبح بقرار صدر من طهران؛ أما الخبر السيّئ فهو أن الإيرانيين يعززون عمليات نقل السلاح إلى سوريا، من أجل مواجهة عسكرية ضد إسرائيل!
وان كان الضابط الاستخباري لم يفسر التناقض في توصيفه للوجود العسكري الإيراني في سوريا، وانكباحه وتعاظم وجوده، في الوقت نفسه، إلا أن المطالعة تبرز توجّهاً إسرائيلياً نحو خيارات بديلة من الخيار العسكري الذي بات متعذراً في الحد من التهديد الإيراني في الساحة السورية، وهو خيار انتظار نتائج العقوبات الأميركية على إيران، والرهان المفرط، كما يبدو من المطالعة الاستخبارية الاسرائيلية، عليها وعلى تداعياتها.
في ذلك، يضيف الضابط (في مقابلة مطولة نشرت أمس في ملحق «يديعوت أحرونوت») أن العقوبات تنتج دماراً كبيراً في الساحة الإيرانية، ومن شأنها أن تفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً وجعل إيران في «نقطة حضيض». وقال «ما عدا حزب الله، لا يبدو أن لإيران نجاحات. والضغط الخارجي بإمكانه أن يؤدي إلى إسقاط النظام الإسلامي في طهران، أو التسبّب في تغيير السياسة الخارجية».
هي إذاً انتقال في الخيارات الإسرائيلية في مواجهة إيران في سوريا، من الخيارات العسكرية و«الخطوط الحمر»، إلى الرهان على العقوبات الأميركية التي يؤمل أن ترتد لاحقاً على الساحة السورية نفسها: إما نتيجة إسقاط النظام الإيراني أو نتيجة تغيير سياسة إيران الخارجية. لكن هل فعلاً تراهن تل أبيب على ذلك؟ وهل وصلت محدودية الخيارات إلى الرهان على العقوبات؟ سؤال في ذاته، بلا اجابات، يؤشر إلى المدى الذي دفعت إليه إسرائيل، في تراجعها قسرياً عن مواجهة إيران في سوريا.
الرهان، كما يبدو، قائم وفعلي، إذ لم يرد فقط على لسان أحد أهم الضباط في الاستخبارات العسكرية، بل ورد أيضاً، في وقت سابق، على لسان وزراء، ومن بينهم عضو المجلس الوزاري المصغر، يوفال شتاينتس، وكذلك زميله اريه درعي، الذي دعا إلى انتظار العقوبات الأميركية على إيران، في معرض رده على خيارات إسرائيل في مواجهة القيود الروسية في سوريا. في حينه، لفت درعي إلى إمكان أن يعقب العقوبات على طهران تطورات دراماتيكية جداً، سواء في إيران نفسها، أو بالنتيجة في الساحة الشمالية، مع سوريا ولبنان.