اختفى أثر رئيس فرع أمن الدولة في محافظة الرقة، العميد خالد الحلبي، في مطلع آذار من عام 2013. حيك الكثير من القصص حول دور الرجل في تسليم المحافظة إلى مسلحي «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» وفق صفقة لا تزال تفاصيلها غامضة حتى اللحظة، غير أن الواضح في ما جرى أن ضابط المخابرات العامة الذي تولى مناصب عدة في طرطوس وحمص قبل أن يُنقل إلى الرقة في عام 2009، أدى دوراً كبيراً في تسليم المدينة من خلال أمر عناصره بالانسحاب من حاجز المشلب وتسليمه لفصائل «الحر» و«النصرة».خرج الحلبي من الرقة إلى تركيا مع بدء معركة السيطرة على المدينة، وقد أكدت فصائل المعارضة حينها أنها قامت بأسره، إلا أن ذلك لم يحدث فعلاً، ولم تُنشر أي تسجيلات أو صور تُثبته، على عكس ما جرى مع أمين فرع الحزب سليمان سليمان، ومحافظ الرقة العميد حسن جلالي عند أسرهما. كذلك لم يظهر الحلبي في أي تسجيل ليعلن انشقاقه رسمياً عن «النظام» كما كان يحدث حينها، حتى عند انشقاق أي مجند عن الجيش. وهذا ما يؤكد خروج الحلبي من الرقة بتنسيق مُسبق ومباشر مع مسلحي المعارضة.
وبعدما وصل إلى تركيا مُعززاً مُكرماً وأقام فيها قرابة عام، انتقل إلى الأردن ليكون جزءاً من المشروع الغربي في جنوب سوريا، غير أن الغرب، كعادته، يتخلى عن المتعاونين المحليين معه بعد أن يحصل منهم على المعلومات التي يريدها. لم يجد الحلبي سبيلاً سوى الانتقال إلى باريس التي استقطبت عدداً كبيراً من المعارضين، حيث تقدم بطلب لجوء سياسي. وبعدما قوبل طلبه بالمماطلة من السلطات، تيقّن العميد الفار من أن دوره انتهى بالنسبة الى المخابرات الفرنسية ولم يعد لديه ما يقدمه لهم.
أقام الحلبي في فرنسا أكثر من عام، متنقلاً بين الفنادق وبيوت بعض الأصدقاء في انتظار الحصول على اللجوء السياسي، إلا أنه حين يئس من الحصول على إقامة اللجوء، استقل القطار وغادر إلى النمسا في 13 حزيران من عام 2015، واستقر في أحد مخيمات اللاجئين. وبرر ذلك لاحقاً بأن: «فرنسا امتلأت بالسوريين بولاءاتهم المختلفة ومواقفهم المنقسمة بين النظام والمعارضة، ما يجعلها خطرة، لذا غادرتها». بينما اعتبرت السلطات النمسوية في تقريرها أن «الحلبي أدار ظهره لفرنسا عندما شعر بأن الرد على طلبه اللجوء سيكون سلبياً»، وفق تقرير الصحيفة.
غادر الحلبي فرنسا إلى النمسا حين يئس من الحصول على «لجوء»


تقدم الرجل بطلب لجوء في النمسا، إلا أن اتفاقية «دبلن» تفرض على دول الاتحاد الأوروبي الموقعة عليها التأكد من عدم وجود بصمة أصابع للشخص المتقدم بطلب اللجوء في دول أخرى، ويرجع القرار لها لاحقاً في منحه حق اللجوء أو عدمه. رغم ذلك، منحت النمسا بعد عدة أشهر (2 كانون الأول 2015) حق اللجوء للحلبي، مبررة ذلك بأنه: «لا يوجد ما يُثبت تورط الحلبي بجرائم حرب وانتهاكات بحق المتظاهرين في سوريا». وذكر الحلبي أنه تعرض لمحاولة اغتيال استهدفت سيارته، وأن من اعتقلهم «لا يتجاوز عددهم أربعة أشخاص». أخيراً صدر قرار السلطات الفرنسية في عام 2017، ونص القرار على «رفض طلب لجوء العميد خالد الحلبي في فرنسا، خشية تورطه في جرائم حرب في سوريا».
وبعد أكثر من عام بقليل على منحه حق اللجوء في النمسا، التقى الحلبي نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف (10 كانون الثاني 2017) في روسيا، برفقة بعض الضباط المنشقين عن الجيش السوري؛ بينهم قائد «المجلس العسكري للجيش الحر» العميد مصطفى الشيخ. تنبهت السلطات النمسوية إلى ذلك، وأثارت تساؤلات حول كيفية سفر العميد الفار إلى بلد حليف للرئيس بشار الأسد. كان ذلك أول ظهور علني للحلبي منذ مغادرته الرقة في آذار 2013.
أعادت السلطات النمسوية أخيراً فتح تحقيق مع العميد الفارّ بناءً على تقارير منظمات حقوقية عدة، تؤكد حدوث «انتهاكات وجرائم حرب» في الرقة، غير أن الحلبي نفى تورطه بمثل هذه الأعمال.
يبدو أن هناك من يبحث في ملفات الحلبي على وجه الخصوص، ما دفع السلطات النمسوية الى التحرك وفتح التحقيق معه مجدداً، لأن كثيرين غيره ممن ارتكبوا جرائم حرب وشاركوا في القتل وكانوا قادة فصائل مسلحة، وبعضهم متشددون، ذبحوا وقتلوا بأيديهم، يعيشون بطمأنينة في الدول الأوروبية التي وصلوا إليها لاجئين.