قبل يومين فقط على انتهاء المهلة الخاصة بإنشاء المنطقة «منزوعة السلاح» في إدلب، لم يطرأ جديد على ملف سحب الفصائل «الإرهابية» خارج حدود تلك المنطقة المفترضة، ولا تزال بعض جبهات ريف اللاذقية وإدلب وحماة تشهد انتشاراً واسعاً لعناصر «هيئة تحرير الشام» و«حراس الدين» و«الحزب الإسلامي التركستاني» وغيرهم. وعلى العكس تشير المعلومات المتوافرة إلى أن خطوط التماس في ريف اللاذقية تشهد تدعيماً للخطوط الدفاعية والخنادق على جانب تلك الفصائل، في ما يبدو استعداداً لاحتمال نشوب معارك قريبة. ومن غير المتوقع أن يشهد اليومان المقبلان أي انسحابات جدّية لعناصر الفصائل «الإرهابية»، وإن كان الجانب التركي قد بدأ سحب السلاح الثقيل قبل يومين فقط على انتهاء المهلة المحددة لذلك. وتتقاطع تصريحات من أنقرة وبعض الأوساط المعارضة، في التلميح إلى أن تنفيذ سحب السلاح الثقيل كان متضمّناً البند الأول من «اتفاق سوتشي» القاضي بإخلاء المنطقة «منزوعة السلاح» من الفصائل «الإرهابية». وإن كانت هذه القراءة تتوافق مع رؤية تركيا الرسمية، فإن الأخيرة قد تعلن في الموعد المحدد لإنشاء المنطقة «منزوعة السلاح»، إتمام التزاماتها في الاتفاق. وفي هذا السياق، قال رئيس «هيئة التفاوض» المعارضة، نصر الحريري، عبر «تويتر»، إن «سحب السلاح الثقيل يمثل انتهاء تطبيق البند الثاني في الاتفاق الروسي التركي حول إدلب، والذي تم بتعاون وثيق بين فصائل الجيش الحر والجانب التركي... ويجب استمراره من أجل ضمان تطبيق الاتفاق بما يمنع أي عمل عسكري في المنطقة». هذا التخوف من اندلاع عمل عسكري قريباً، ورد على لسان العديد من المنظمات الدولية أيضاً. إذ أوضح المدير التنفيذي لـ«برنامج الغذاء العالمي» دافيد بيسلي، أنه يجري الإعداد للتعامل مع موجة جديدة من النازحين الذي قد يتجهون إلى تركيا في حال نشبت معارك في إدلب، مشيراً إلى البدء بنشر فرق «لتوزيع حصص غذائية على المديين القصير والمتوسط، على طول الحدود التركية». وقال بيسلي إن «برنامج الغذاء العالمي» يعمل مع المسؤولين الروس والسوريين، ومع الولايات المتحدة وأطراف أخرى «للقيام بكل ما يمكن للحد من التبعات، في حال تصاعدت الحرب هناك». وجاء ذلك في وقت وصلت رسائل نصية موقعة باسم الجيش السوري، إلى عدد كبير من المدنيين في إدلب، تقول إحداها: «يا أبناء إدلب ومحيطها... ابتعدوا عن المسلحين فمصيرهم محتوم وقريب».
حمّلت موسكو الجانب الأميركي مسؤولية الظروف الصعبة في مخيم الركبان

وعلى رغم أن تنفيذ الاتفاق حول إدلب ما زال في مراحله الأولى، فإن جزءاً كبيراً من الخطاب التركي الرسمي بات يركّز بعيداً عنه، صوب منبج ومناطق شرق نهر الفرات. إذ جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، تهديده بتنفيذ عمليات عسكرية جديدة في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» شرق الفرات. وقال خلال مشاركته في مراسم تخرج دفعة من العسكريين: «قريباً إن شاء الله سنقضي على أوكار الإرهاب شرق الفرات». ولفت الرئيس التركي إلى أن الوعد بإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية من منبج لم ينفّذ أيضاً، وإلى أن مقاتلي «الوحدات» ما زالوا داخل المدينة ويعملون على تحصين محيطها، مضيفاً القول: «سنفعل اللازم... إنهم يحفرون خنادق في منبج. ما معنى ذلك؟ معناه: أعددنا القبور، تعالوا وادفنونا».
التصويب التركي على شرق الفرات يتقاطع في شكل لافت مع حديث الجانب الإيراني خلال اجتماع طهران الثلاثي الأخير ضمن صيغة «أستانا»، كما مع الخطاب الروسي الحالي. إذ خرج وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، ليعلن أن هناك «أشياء غير مقبولة» تجري شرق الفرات، موضحاً أن الولايات المتحدة عبر «حلفاء سوريين وبخاصة الأكراد» تعمل على «إنشاء منطقة شبه حكومية (مستقلة)» هناك. وذهب إلى التحذير من أن الولايات المتحدة تريد إنشاء منطقة لتكون نموذجاً لدولة جديدة أو أنها «ستكون لعبة أخطر مع كردستان العراق، أي ما يسمى بفكرة كردستان الكبرى» وفق ما نقلت عنه وكالة «نوفوستي». وقال لافروف إن «الولايات المتحدة وفرنسا، وبقية البلدان الغربية، يرفضون العمل على تأمين الظروف المناسبة لعودة اللاجئين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية في دمشق، حتى بدء عملية سياسية، على عكس ما يفعلون شرق الفرات». وفي موازاة حديث الوزير لافروف، حمّل «مركز المصالحة» الروسي في قاعدة حميميم الجوية، الجانب الأميركي مسؤولية الظروف الصعبة التي يعيشها نحو 70 ألفاً من النازحين في مخيم الركبان على الحدود الأردنية، عبر منع قواته في التنف، العبور من جانب سيطرة القوات السورية، في منطقة الـ55 كيلومتراً.