فقد ظلّه!
عاد الفنان سامر اسماعيل أدراجه باتجاه دمشق بعدما مُنع من المغادرة صبيحة الأول من أيلول لعدم علمه بوجوب استخراجه الوثيقة المذكورة. كان اسماعيل مدعوّاً لحضور مهرجان «البندقيّة» السينمائي في إيطاليا (أقدم مهرجان سينمائي في العالم) بوصفه أحد أبطال الفيلم السوري «يوم أضعت ظلّي» (تأليف وإخراج سؤدد كنعان)، لكنّه وجد نفسه مضطراً إلى البحث عن ظله تحت شمس دمشق أمام شعبة التجنيد، فيما بقي مقعده في الطائرة شاغراً. على المنوال نفسه، وجدت عائلة كاملة نفسها مضطرة إلى التخلّف عن موعد طائرتها إلى الإمارات وخسارة ثمن التذاكر، وعادت إلى دمشق ليستخرج الأبناء الذكور الوثائق المطلوبة التي «لم يسمعوا بها من قبل». وتكررت الحال مع نوار رحيم (28 عاماً)، الذي قرر أن يمضي إجازة العيد مع عائلته في السويداء، قادماً من فرنسا، لكنه هو الآخر عاد أدراجه مع العائدين، بعدما تكلف مبلغاً قدره 700 دولار ثمن تذكرة الطائرة.
الكل يعني الكل
لم يستشعر أدهم أي مشكلة مع سماعه بالقرار، فهو «وحيد نهائي». عبارة تطلق على من توفّيت والدته أو تجاوزت الخمسين عاماً ولم تعد قادرة على الإنجاب، الأمر الذي يعفيه بشكل كامل من الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية. في ثالث أيام تطبيق القرار، توجّه الشاب نحو نقطة المصنع الحدودية متسلحاً بالثقة بأن إعفاءه من «الخدمتين» يجعله مستثنى من الآلية الجديدة، ليُفاجأ بأن عليه العودة إلى دمشق واستحواذ هذه الوثيقة.
تشهد شعب التجنيد فوضى تُفاقمها أروقة ضيقة ونظام بيروقراطي
وعند مجادلته موظف «الهجرة والجوازات»، جاءه الرد «أنا عبدٌ مأمور، وأخبروني بأن على الجميع اصطحاب هذه الورقة، المعفى والوحيد ودافع البدل... الكل يعني الكل».
الآلية بالتفصيل
توجهنا إلى إحدى شعب التجنيد لمعرفة آلية استصدار الوثيقة المطلوبة. ساعات الانتظار الطويلة تفسح المجال لسماع عشرات القصص المشابهة، لمن حُرم من موعد سفارته، أو فاته موعد تقديم امتحان، أو مقابلة عمل أو موعد طبيب بسبب عدم معرفتهم بصدور الإجراءات الجديدة. وينبغي أن يصطحب مقدّم الطلب «دفتر خدمة العلم»، وصورة عن البطاقة الشخصية، وطابعاً مالياً. بالإضافة إلى إيصال من البنك العقاري، يوضح أنه قد سدد قيمة الكفالة المالية وقدرها 50 ألف ليرة، تدفع لمرة واحدة. في تمام الثامنة صباحاً، كان عشرات الشبان قد بدأوا بالتجمع أمام «شعبة تجنيد ساروجا» في دمشق. ليصبح عددهم بالمئات مع مرور الوقت، وسط فوضى تُفاقمها أروقة ضيقة ونظام بيروقراطي يعتمد على المحسوبيات أو الرشى في حجز الدور. البداية من مكتب رئيس شعبة التجنيد، حيث يتم الحصول على ورقة الطلب خالية، ويؤشر عليها رئيس الشعبة. لتتجه نحو الديوان، وتسجل الطلب على الحاسوب، وبعدها باتجاه مكتب السجلات، لتبحث عن سجلك وتأخذه إلى موظف السجلات، الذي بدوره يقيدها على الدفتر ويعطيك نسختين من الموافقة، تأخذهما مباشرة إلى مكتب رئيس الشعبة الذي يحتفظ بواحدة، ويعطيك الأخرى ممهورة بالخاتم الرسمي. تصلح الوثيقة للاستخدام مدة ثلاثة أشهر فقط، وينبغي تجديدها بعد ذلك. وإذا كنت قد أضعت إشعار تسديد الكفالة المالية، فعليك التوجّه إلى المصرف العقاري للحصول على بدل ضائع بقيمة 500 ليرة سورية.
الحالات التي تُستثنى من دفع الكفالة
على الجميع إذاً التوجّه إلى شعبة التجنيد لاستصدار موافقة السفر، لكن ليس على الجميع دفع الكفالة، فقد أعفيت منها بعض الحالات. وتنص المادة 49 من «قانون خدمة العلم» المُعدّلة بموجب مرسوم رئاسي (رقم 33 للعام 2014 ) على أنّه «يُعفى من تقديم أي كفالة: أ - العاملون المدنيون الموجودون في الخدمة باستثناء الملزمين بخدمة الدولة. ب – الموفدون من قبل الحكومة للدراسة أو التخصص أو بمهمة رسمية. ج – المعفون من خدمة العلم وفق أحكام هذا القانون. د – الذين أدوا الخدمة الإلزامية. هـ – المتقاعدون. و – المغتربون القادمون إلى الجمهورية العربية السورية بقصد الزيارة». برغم ذلك، أُفيد عن حالات طُلب فيها من بعض المشمولين بالاستثناء تسديد مبلغ الكفالة، ولا سيّما من أدّى خدمته الإلزامية ولم يؤدّ الخدمة الاحتياطية بعد، في مخالفة واضحة وصريحة لمرسوم جمهوري.