معركة إدلب آخر المعارك الكبرى في الحرب السورية المفتوحة منذ سبعة أعوام. بعدها، سيكون يوم آخر. بعد إدلب، ستطوي سوريا آخر فصول واحدة من أكثر الحروب الأهلية دموية. وسيعيد الجيش السوري فرض سيادة الدولة على الحدود مع تركيا، بعدما بسطها على الحدود مع لبنان والأردن وفلسطين المحتلة. حقيقة لن تؤثر فيها «طبول الحرب» التي يقرعها الأميركيون حالياً، وسلّم ــــ ويسلّم بها ــــ كل من أوغل في دماء السوريين في السنوات السبع الماضية، وفي مقدمهم الأميركيون والسعوديون. بات واضحاً أن الاتفاق الأميركي ــــ الروسي يسلّم الملف السوري، بالكامل، إلى موسكو المعنية بتوفير ضمانات الحل السياسي وإعادة الاستقرار إلى سوريا. أما شعارات من نوع «مصير الأسد» و«إسقاط النظام» فقد باتت، منذ زمن، خلف الجميع ممن يتقاطرون اليوم على العاصمة السورية طمعاً في المشاركة في كعكة إعادة الإعمار.أكثر من 20 اتصالاً مباشراً أو غير مباشر، جرت في الشهرين الماضيين، بين رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك وقادة أجهزة استخبارية غربية، تمحورت حول مواضيع أمنية أو سياسية وبعضها يجس النبض حول المشاركة في إعادة الإعمار. ولعل أبرزها زيارة وفد أميركي رفيع لدمشق، في حزيران الماضي، بوساطة روسية ـــ إماراتية، حاملاً عرضاً أميركياً واضحاً بالانسحاب من سوريا مقابل تلبية شروط أميركية. زيارة تلاها اتصال سعودي مباشر بالجانب السوري تمحور حول نقطة واحدة: تحرر بشار الأسد من إيران وحزب الله، وفتح صفحة جديدة من العلاقات والتعهد بتمويل إعادة الإعمار. الفرنسيون أيضاً يبدون أكثر اندفاعاً. فيوم أمس، بدأت مهمة الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي إلى سوريا فرنسوا سينيمو المعروف بأنه من دعاة التطبيع مع دمشق. علماً أن باريس لم تقطع العلاقات الدبلوماسية بشكلٍ رسمي مع دمشق. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الألمان. فيما أعيد تفعيل قنوات الاتصالات الإماراتية والكويتية والأردنية والمصرية، وحتى القطرية.
الجميع يبدو مستعجلاً، بصورة أو بأخرى. فيما السوريون ــــ على عكس المتوقع ــــ يبدون أكثر تمهلاً. في دمشق قناعة بأن الدولة انتصرت، وبالتالي المنتصر هو من يفرض الشروط. الجواب السوري على كل ذلك واحد: تحالفاتنا ثابتة مع إيران وحزب الله ونحن جزء من محور منتصر. وما يُقدم لدمشق اليوم اعتراف غير مباشر بالحاصل الميداني. فيما المطلوب اعتراف بالحاصل السياسي يكرّس التحولات على الأرض. لسنا «كاريتاس» ولن نتعاون، ولو أمنياً، قبل هذا الاعتراف وقبل إعادة العلاقات السياسية، وعودة دمشق لاعباً رئيسياً في الإقليم. لا استعجال في دمشق. فالوقت لا يزال متاحاً حتى موعد الانتخابات النصفية الأميركية في تشرين الثاني المقبل. إذ إن هناك قناعة سورية بأن الأميركيين ملزمون، بعد هذه الانتخابات، بمقاربة جديدة تلحظ حقيقة التحولات في المنطقة. كما أن الوقت لا يزال متاحاً قبل موعد انعقاد القمة العربية في آذار المقبل لعودة سوريا إلى احتلال مقعدها. وسط هذه التحولات، وحدهم اللبنانيون لا يزالون يتناقشون حول «جنس الملائكة»!