فرضت جولة الحوار العلنية الأولى بين دمشق و«الإدارة الذاتية» نفسها بصفتها حدثاً شديد الأهميّة قد يؤسس لانعطافة في المشهد السوري، لا سيّما مع الحديث عن جولة ثانية وشيكة. يرى «الرئيس المشترك لحركة المجتمع الديموقراطي» ألدار خليل أنّ «الخطوة تؤسّس لأرضيّة جيدة للحل في سوريا، لكنّ ذلك متعلّق بمدى جديّة النظام». يقول في مقابلة مع «الأخبار» إنّ «اللقاء كان نوعاً من التعرف إلى مواقف النظام واختباراً للنوايا». ويضيف: «منذ بداية حراكنا من أجل التغيير والديموقراطية لم نكن طرفاً مؤجّجاً ولم ننجر للصّراع الدائر على السلطة. أبدينا استعدادنا للحوار على جميع الصُّعد. وأكّدنا، ولا نزال، أنّ الحل يجب أن يكون من خلال حوار جاد وفعال، وما حدث أخيراً ترجمة حقيقية لمواقفنا التي أكّدناها سابقاً». يوافق السياسي الكردي على أنّ «المرحلة حسّاسة، ونعلم بوجود متغيرات مهمّة. قد تكون هذه الزيارة إلى حد ما نتيجة لتلك التطورات، من جانب النظام أتحدث. من جانبنا نحن مع ضرورة الحوار وجاهزون لذلك دوماً وقد أطلقنا مبادرات عدّة للحوار الوطني ودعونا جميع الأطراف للحضور والمشاركة. ولا نعتقد أن الحل ممكن (من طريق) غير الحوار، ولا نعتقد أن الحوار يمكن أن ينجح من دون جدية في المواقف والالتزامات».
خطوة الحوار مع دمشق تؤسّس لأرضيّة جيدة للحل في سوريا

نسأل عن دور التداخلات الإقليمية والظروف الضاغطة في دفع الطرفين إلى اتّخاذ هذه الخطوة، خصوصاً مع وجود تحليلات ترى أنّها لم تكن خياراً ذهبا إليه بملء إرادتهما. يجيب: «نحن كإرادة سياسية ومجتمعية وقوة عسكرية لم نكن طرفاً مُلزماً بقرارات أو تدخلات أحد، لدينا قرارنا الذاتي واستقلالنا التام في ذلك». يجهد خليل لشرح مقوّمات العلاقة مع بعض الأطراف الدوليّة «علاقاتنا نتجت من إثباتنا أننا نسعى إلى الاستقرار وندعم الحل من جهة، ومن جهة أخرى لأنّ جهودنا في محاربة الإرهاب نوعية. هذه التطوّرات لها جانبان: التعاون في تحقيق الأهداف المذكورة، والجانب الآخر إيصال رسالتنا إلى العالم: إن أكثر طرف يدعم الحل ويريد الاستقرار هو نحن». يوضح أنّ «المواقف غير السورية حيال اللقاء لم يكن فيها تدخل مباشر. كانت هناك بعض التقييمات وهي إلى حد ما إيجابية. لكنّ التقييمات الخارجيّة ليست من يقرر نوعية التفاوض أو الأداء، بل نحن من يقوم بتحديد ذلك». لكن إلى أي حدّ تحضر الثقة بين الطرفَين؟ وكيف سيتمّ تحصين أي اتفاق مستقبلي؟ وهل هناك حاجة إلى ضمانات؟ يرى خليل أنّ الوضع في سوريا معقّد، فـ«هناك تدخلات، وهناك نوع من حرب الوكالة تتم ممارستها على الجغرافيا السورية. الملف السوري ساهم في تقاربات وتباعدات بين الكثيرين. بعض الدول حلت جزءاً من الخلافات فيما بينها من خلال الملف السوري ولم يتم حل الملف السوري ذاته حتى الآن». يضيف «في ظل هذه التفرعات والتداخلات نعتقد أنّ الضمانات مهمة. لن نقبل بأن يكون هناك تفاوض من دون ضمانات، لكن من المبكر الحديث عن الضمانات فمرحلة التفاوض لا تزال ضبابية ولم تتوضح معالمها. هناك اتفاق على الحوار ولكن التفاوض شيء آخر». يتحدث خليل عن «لجنة ستضع خريطة طريق. نحن نتطلع إلى النجاح في هذا المسار وأي مسار آخر يضمن تحقيق الحل الديموقراطي، ويخدم مصلحة الشعب السوري، وبكل تأكيد يؤدي إلى حل القضية الكردية علاوة على القضايا السورية الأخرى».

«التوافق بين السوريين لا يُقلق واشنطن»!
يوحي حديث السياسي الكردي بعدم وجود أي تأثير لواشنطن في العلاقة بين «الإدارة الذاتيّة» وبين دمشق. نسأل: هل يمكن فعلاً أن تعقدوا أي اتفاق ما لم ترض عنه واشنطن؟ وماذا إذا اعترضت في مرحلة ما على مواصلة الحوار مع دمشق وضغطت في اتجاه التصعيد معها؟ يردّ: «سبق وتطرقت لموضوع استقلالية قرارنا. هناك مجلسٌ وإدارةٌ ولدينا ما يؤهلنا للقرار، يوجد توافق وعمل بين جميع المكوّنات في الشمال. أعتقد أننّا إذا توصلنا لصيغة حل يحقق الاستقرار ويحقق تطلعاتنا، والتي تخدم كل السوريين، فسنتخذ قرار المضي في تحقيق الحل». يؤكّد أن العلاقة مع واشنطن «علاقة تحالف من أجل محاربة الإرهاب، حتى الآن لم نلمس أي تدخل مباشر ولا غير مباشر. هم يؤيدون الحل بشكل توافقي، ولا أعتقد أن التوافق بين السوريين بمن فيه النظام سيكون مصدر قلق لواشنطن. أريد أن أؤكد أننا نسعى للحوار لا التفاهم، ويوجد فرق بينهما».

«تغيّرات مرتقبة في الشمال»
ننقل الحديث إلى «البنية التنظيمية للقوى السياسية الكردية في سوريا»، فهي بنية ملتبسة في أذهان الكثيرين. نسأل عن العلاقة بين هذه القوى وبين «الإدارة الذاتية»، وعن تأثير «حركة المجتمع الديموقراطي» على قرارات «مجلس سوريا الديموقراطية»، وتأثير الطرفين في «قوات سوريا الديموقراطية». يقول خليل: «الهدف مشترك بين جميع الحركات والقوى الموجودة. لدينا مشروع ديموقراطي، ونريد تحقيق الاستقرار. مسؤولياتنا كبيرة وجادة من أجل الحفاظ على وحدة الشعب السوري ونؤمن بأن ذلك يكون من خلال مشروع «الأمة الديموقراطية» الموحد لكل المكونات والأطياف على اختلافاتها». ويضيف: «لا يوجد تداخل في مؤسساتنا. مجلس سوريا الديموقراطية يبحث عن تحقيق التطور نحو الدمقرطة على مستوى سوريا، هو مجلس جامع لكل المكونات والأطراف ويمثل قوة معارضة، وهو مشروع حل لكل السوريين. الإدارة الذاتية نموذج حضاري لإدارة المرافق العامة والتنظيم الخدمي والإداري. أما حركة المجتمع الديموقراطي فهي حركة مجتمعية وظيفتها تنظيم المجتمع وفق إمكاناته وإتاحة الحلول التي تحقق التماسك الاجتماعي، كما أنّها غطاء جامع للفعاليات والمؤسسات المدنية (المجتمع المدني)». يكشف خليل عن «تطورات مقبلة في الشمال تأتي في إطار احتواء ما يحدث من جهة، ومن جهة أخرى ترجمة لمشروعنا نحو خطوة جديدة. ضمن تطورات هذه المرحلة سنكون أمام تحوّل في هيكلية حركة المجتمع الديموقراطي ونظامها، وسنكون أمام تغييرات جدية على صعيد وظيفة الحركة وعموم مناطق الشمال السوري».



مستعدون للمشاركة في تحرير جرابلس، والباب، وإدلب
يرى ألدار خليل أنّ «عفرين كانت ضحية لتفاهمات واتفاقات»، ويشيد بـ«مقاومتها البطولية أمام آلة القتل التركية التي عملت بشكل ممنهج على تدمير عفرين وتهجير شعبها». يؤكد أنّ «المقاومة مستمرة وهناك عمليات نوعية ضد الاحتلال التركي والإرهابيين. نحن لم نترك عفرين ولن نتركها». يقول السياسي الكردي إنّ عفرين «مدينة احتُلّت ولم تسقط، لأنها قاومت ولا تزال والسقوط يعني الاستسلام». ويبشّر بأنّ «المرحلة المقبلة ستكون مهمة، وثمّة متغيرات إيجابيّة مرتقبة وستكون عوامل مساعدة لتحرير عفرين». لا يفضّل الكشف عن تلك المتغيرات، لكنّه يرى أنّ «اتحاد تلك العوامل مع العمليات البطولية والحراك الدبلوماسي والصمود في مخيمات المقاومة في الشهباء (تسمية تطلقها «الإدارة الذاتيّة» على المناطق بين عفرين وتل رفعت وصولاً إلى الباب) ستساعد في عودة عفرين بلا شك. شعبنا اتّخذ قرار المقاومة وسيستمر حتى التحرير». يشدّد خليل على أنّ «تركيا خطر على سوريا وخطر إقليمي، الجميع يجب أن يعي ذلك». ويضيف: «إلى جانب إصرارنا على تحرير عفرين نحن جاهزون لأي مواقف فعالة لتحرير جرابلس، والباب، وإعزاز، وإدلب في إطار القضاء على الإرهاب ومنع وجود قوة احتلال، وتحقيق أرضية للحل والاستقرار».