من مقام الشيخ أحمد أمان الدين في عبيه، إلى الدارة الأرسلانية في خلده، مروراً بدار الطائفة الدرزية في بيروت، توحدت طائفة الموحدين الدروز، في الترحم على شهداء مجزرة السويداء، لكنها اختلفت في مقاربة قضية تتخطى بأبعادها ونتائجها حدود الطائفة نفسها أو جبل العرب في سوريا.وإذا أردنا أن نستعيد شريط المجازر، فإن المجموعات الإرهابية لم تقصّر ضد أحد في سوريا. ألم تقم مجموعات إرهابية بذبح نحو أربعين من شباب وشيوخ بلدة قلب لوزة في جبل السماق في محافظة إدلب على بعد عشرات الكيلومترات من الحدود السورية التركية؟ ألم يسعَ وليد جنبلاط إلى تحييد هؤلاء عبر وسطاء نقلوا إليه أن «جبهة النصرة» لن تمس بالدروز وبرموزهم ومقاماتهم الدينية، ولا بتقاليدهم ولباسهم وعاداتهم؟ ألم يبادر البعض إلى إنشاء «كتيبة كمال جنبلاط» بوصفها إحدى «فصائل الثورة» يسلَّم أمرها إلى واحد ممن نبذتهم السويداء في يوم من الأيام؟ وماذا كانت النتيجة أيضاً؟
وليد جنبلاط يدرك ذلك، ويدرك أكثر، وربما هذا مصدر قلقه، أن البيئة الدرزية في جبل العرب هي بيئة حاضنة للدولة السورية، بكل رموزها، وخصوصاً جيشها، ولذلك فشلت كل محاولات أخذ هذه الشريحة السورية إلى حيث كان يشتهي البعض إقليمياً، وخصوصاً إسرائيل.
هذا ما حصل في زمن ما سمَّوها «ثورة» وفي عزّ شهورها وسنواتها الأولى، فكيف اليوم، وهناك مشروع كبير يُهزم على أرض سوريا، وفي الوقت نفسه، ثمة دولة سورية جديدة قيد الولادة، هل ننتظر من الإرهابيين شيئاً مختلفاً عمّا حصل في تلك الصبيحة السوداء في السويداء؟
قد تطرح بعض الشخصيات الدرزية في السويداء الأسئلة نفسها التي يطرحها وليد جنبلاط، غير أن مشروعية الأسئلة في حالة أهل «الجبل» تستدعي أجوبة إلزامية مشروعة من الدولة السورية، لكنها في حالة جنبلاط تصبح مدعاة للهواجس والشبهات.
نعم، تسلل إرهابيون بالمئات وعبروا بآلياتهم عشرات الكيلومترات في البادية، انطلاقاً من نقاط قريبة من قاعدة التنف الأميركية، وصولاً إلى السويداء. ألم يكن بمقدور كل منظومات الرصد، من أميركية وروسية وإسرائيلية وأخرى متعددة الجنسيات، أن ترصد هؤلاء، سواء في الذهاب أو في الإياب؟ ثم إذا صح أن بعض أجهزة المخابرات كانت تخشى أمراً ما من قبيل ما حصل، ألم يكن بالإمكان تنبيه الإدارات الرسمية والأجهزة الأمنية في المحافظة من أجل اتخاذ تدابير من نوع آخر لمنع المجزرة؟
هذه الأسئلة ــ الهواجس مشروعة، لكن ما هو غير مشروع، أن يكون الرد على الجريمة بجريمة أكبر. جريمة استدعاء السلاح والمسلحين من أجل نصرة من في جبل العرب؟
لعل وليد جنبلاط أدرك عندما تمنى حمل السلاح، أن وصوله المتأخر إلى «الثورة» لن يبيّض صفحته في ممالك النفط والإرهاب. فالسعوديون والكويتيون والقطريون والعُمانيون، يتنافسون في من يصل أولاً إلى دمشق، وثمة سفارات بدأت بكنس الغبار عن مداخلها ونوافذها استعداداً للعودة التي لا بد منها. وها هو العالم كله يسلّم ببقاء الرئيس بشار الأسد، وها هي الحرب تكاد تصبح محصورة في رقعة جغرافية محددة، وها هي معالم التسويات التي ستعيد رسم نفوذ معظم اللاعبين الإقليميين والدوليين في المنطقة ترتسم أولاً على أرض سوريا، لذلك، يصبح السؤال بديهياً: لمن «تبيع» موقفك يا وليد بك؟ من الذي ستجده مستعداً لملاقاة حماستك وغيرتك على «البيت الدرزي»؟
فمثلاً، شخص أساسي في جبل العرب كجهاد حسن الأطرش لم يرَ في مواقفك سوى التحريض و«صوت من أصوات الفتنة».
وإذا كان المطلوب أن تستدرج ضمانة روسية، فأنت تعلم أن الروس، وهم تواصلوا معك، بعد خطاب عبيه، لن يكون بمقدورهم تقديم ضمانة لأحد، إذ هل يعقل أن يقدم عاقل في العالم ضمانة في مواجهة تنظيم إرهابي متوحش كتنظيم «داعش»، من دون أن ينسى أحدنا أن هذا التنظيم ما زال موجوداً وهو يعتمد خطة لامركزية تتيح للخلايا النائمة أن تضرب حيث تشاء بلا حسيب أو رقيب. وألا يعلم جنبلاط أنه قد يأتي يوم يسمع فيه الروس يشكون من ضربة في عقر دارهم، وهل يضمن أحد أن لبنان صار بمأمن نهائياً من تلك الوحوش الإرهابية التي يعميها الحقد، حقد الفكر الوهابي وحقد بيوت المال، التي تضخ أموالها وأفكارها في نواحٍ كثيرة في المنطقة والعالم، وبينها ناحية المختارة؟