مع انهيار الخطوط الدفاعية الأولى للمسلحين في ريف درعا الشرقي، لم تكن أكثر الحسابات العسكرية تفاؤلاً (من الجانب الحكومي)، ربّما، تقدّر انهيار الفصائل المسلحة وتحولها نحو التفاوض، بالسرعة التي حصل بها الأمر. فالاستعدادات على جبهات القتال في درعا، استجلبت تعزيزات عسكرية واسعة من عدة مناطق خرجت من نطاق المعارك، ولكن أغلب تلك القوات لم تشارك في أعمال عسكرية ضمن «معركة الجنوب»، التي خيض قسمها الأكبر على طاولة التفاوض. اليوم، تتحرك التعزيزات نفسها إلى خطوط التماس المتاخمة لريف القنيطرة، على الحدود مع القسم المحتل من هضبة الجولان، حيث تستعد لبدء جولة عسكرية جديدة هناك، إن لزم الأمر. المعلومات المتوافرة من الميدان، تقول إن الاستعدادات لعمل عسكري يمتد ليشمل كامل الحدود مع الجولان المحتل قد بدأت بالفعل. وينتظر أن تبدأ بواكير العمليات هناك خلال وقت قصير جداً، إن لم يطرأ جديد على مسار التفاوض، الذي لا يزال فاعلاً، منذ انطلاقه بالتوازي مع مفاوضات الريف الشرقي لدرعا. الاستنفار العسكري قرب القنيطرة، ينعكس عبر القصف المتبادل على طرفي خطوط التماس، إذ لا يمرّ يوم منذ بدء العمليات في الجنوب، إلا ويشهد استهدافات متبادلة، وخاصة في محيط حضر ومدينة البعث، وأطراف جبّا. ولحين حل ملف بلدات ريف درعا، المتاخمة للقنيطرة، ستكون بلدات طرنجة وجباتا الخشب وأوفانيا والحميدية ومدينة القنيطرة، الأهداف الأولى للتحرك العسكري.
تعمل «هيئة تحرير الشام» على عرقلة مصالحات ريفي درعا والقنيطرة

الوجود الإسرائيلي على طول الجانب المحتل من الجولان، يفرض ظروفاً مختلفة لعمليات القنيطرة المرتقبة، عن باقي مناطق الجنوب. فالعدو هدد مراراً باستهداف أي جندي سوري يدخل «المنطقة العازلة ــ المنزوعة السلاح» (وفق اتفاقية فك الاشتباك 1974)، وهي تضم غالب البلدات والمواقع التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة في القنيطرة. كذلك، عملت تلك الفصائل على توجيه النازحين من ريف درعا، نحو الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، في محاولة للاستفادة من ورقة المدنيين، للتضييق على أي عملية عسكرية مرتقبة هناك، ولتبرير أي انخراط إسرائيلي مباشر فيها. ومن المؤكد أن مصير ريف القنيطرة حضر على طاولة النقاش الروسية ــ الإسرائيلية، ويتوقع أن تلعب موسكو دوراً مهماً في منع انفلات أي تصعيد إسرائيلي ــ سوري نحو مواجهة واسعة في الجولان. الجهود الروسية حضرت مبكراً في هذا السياق، إذ نشّطت خطوط التواصل مع بعض الفصائل المسلحة هناك، وخاصة «جبهة ثوار سوريا» و«ألوية الفرقان»، في محاولة للتوصل إلى اتفاق «تسوية» على غرار درعا وريفها. ووفق المعلومات الأولية المتوافرة عن المفاوضات، فإن معظم الفصائل تنحو إلى الموافقة على التسوية، غير أن وجود «هيئة تحرير الشام» في ريفي القنيطرة، ودرعا الشمالي الغربي، ما زال يعطّل إنجازها. وانعكس هذا الواقع في الخلافات الأخيرة بين فصائل إنخل وكفرشمس وعناصر «الهيئة»، فبينما وافقت الأولى على «تسوية» أتاحت دخول الجيش والشرطة العسكرية الروسية، حاولت «الهيئة» تخريب الاتفاق عبر هجوم واسع شنته في وقت متأخر من ليل أمس الأول، على مواقع الجيش المستحدثة في تلّي عنتر والعليقة، شمال كفرشمس. وبرغم توصل الجانب الروسي إلى تفاهم أولي مع وجهاء بلدات سملين وكفرناسج والحارة وجاسم، إلا أن إقرار التفاهم النهائي لا يزال عالقاً. وتشير أوساط معارضة إلى أن «هيئة تحرير الشام» وافقت على ترحيل عناصرها نحو إدلب، إلا أن شروطاً مرتبطة بالإفراج عن أسرى لديها، في الشمال، عطّلت الاتفاق إلى حين. وحتى بيان مصير بلدات ريف درعا هناك، بدأ الجيش أمس، استهدافات مدفعية على جبهة القنيطرة، فيما واصل الجانب الإسرائيلي التدخل ضد الجيش السوري، وأسقط طائرة استطلاع فوق «المنطقة العازلة»، من دون أن تخترق أجواء الجانب المحتل من الجولان. وهي المرة الثانية التي يستهدف فيها جيش العدو طائرة استطلاع سورية، خلال أيام.
التسارع في عمليات الجنوب ومصالحاته، ومن دون ترحيل مسلحين ومدنيين حتى الآن، حضرت أصداؤه في الشمال السوري. وبينما تعاني الفصائل هناك من عمليات اغتيال أمنية، يتبناها تنظيم «داعش» في الغالب، تشير أوساط معارضة إلى أن عدداً كبيراً من عناصرها يسأل عن سبل للخروج نحو تركيا، أو الانضمام إلى فصائل «درع الفرات» أو «غصن الزيتون»، على افتراض أنها ستكون «آمنة» إن قررت الحكومة شنّ عملية عسكرية في اتجاه إدلب وريفها، مروراً بريفي حماة واللاذقية. ومن غير المستبعد أن يردّ الجيش بعملية عسكرية على الهجمات المتكررة التي تنفذها فصائل «جهادية» ذات توجه «قاعدي»، في ريفي حماة واللاذقية، وبدعم من القوات الروسية، التي صدت هجمات عدة بطائرات مسيرة انطلقت من منطقة «خفض التصعيد» في إدلب ومحيطها على مواقعها في قاعدة حميميم.