يميناً وشمالاً، يحرّك سامر الستّوت يديه داخل وعاء معدني كبير، وُضع فيه بذور اللوز والفستق وما يعرف في لغة أهل الشام بـ«الموالح والبزورات». يعملُ على تحميصها وتقديمها طازجة لزبائنه المتلاحقين في محلّه الكائن في شارع مدحت باشا وسط دمشق القديمة. يُلقَّب أبو طارق بـ«القضماني»، وهو مصطلح مشتقّ يدل على من يقوم ببيع «القضامة»، وهي نوع من الحمّص الأصفر المحمَّص والمخلوط مع البهارات المختلفة.يغنّي أبو طارق «يا قضامة مكسّرة ويا قضامة ناعمة»، ويمسكُ بعضاً منها ويقدّمها للزبائن المنتظرين ريثما يأتي دورهم، ولا أحد يستطيع مقاومة العرض الطازج والمغري، فيسارع الجميع على مدّ يده وأخذ بعض منها.
يتحدّى أبو طارق أمهر طباخي العالم في أن ينتجوا «بزورات» كتلك التي تنتجها محامص الشام. يقول لـ«الأخبار»: «المسألة ليست في الآلات، بل سرّ المهنة يكمن في الأشخاص، فأنا أستطيع مثلاً من نظرة واحدة، تحديد ما إذا كانت الوجبة قد أمست جاهزة أو تحتاج لمزيد من الوقت، وبقبضة واحدة أعرف الكيلو من نصف الكيلو، وكمّية الملح التي يجب وضعها داخل الوعاء الكبير».
لا ينكرُ ابن دمشق تأثّر طعم الموالح بالحرب التي دارت في البلاد، ويضيف: «القضامة كانت بطعم البارود والموت، وهي اليوم بطعم الذكريات والأمان والسلام (...) لا شيء يُعيد طعم الماضي، حتى لو انتهت الأزمة الآن».
يفتخرُ الرجل الخمسيني بأن منزله ومنازل جيرانه لا تخلو من منتجاته، ويستدرك مازحاً: «زوجتي لديها نُسخة من مفتاح المحل، وأحياناً تأتي وحدها ليلاً لكي تتبضع لها ولصديقاتها (...) من لمحة واحدة، أعلم كم قطعة فستق موجودة في كل وعاء، وكم قطعة نقصت، وهي لا تعلم أني أعلم، فلا تخبروها».