شكّلت الحدود السورية ــ الأردنية، لسنوات طويلة، عصب الدعم العسكري والاستخباري للفصائل المسلحة العاملة في الجنوب. وتحكمت غرف العمليات الغربية ــ الإقليمية، وأولاها «الموك»، في مسار المعارك الطويلة التي كانت دمشق هدفها الرئيس. الغرف نفسها خلقت وأدارت في الوقت نفسه خلافات الفصائل الداخلية، ودعمت أطرافاً ــ مع محاكمها الشرعية ــ على حساب أخرى. وحاولت على مدى سنوات خلق كيانات موازية لمؤسسات الدولة، معوّلة على استثمارها في وقت لاحق. اليوم، لم يعد هذا الخط مفتوحاً، وغادر المحسوبون على الداعمين بشكل مباشر، للمرة الأخيرة ــ ربما إلى حين ــ نحو الأردن. ولن تبقى تلك الكيانات البديلة صامدة بغياب التمويل والإدارة. اختتام هذه المرحلة المهمة، يضع تحدياً مكمّلاً أمام دمشق وحلفائها، وهو تحرير المنطقة المحاذية للحدود مع الجولان المحتل، بما تحويه من تعقيدات مرتبطة بالدور الإسرائيلي، وبوجود «جيش خالد بن الوليد»، المبايع لـ«داعش»، في وادي اليرموك.
تصميم سنان عيسى | انقر الصورة للتكبير

دخل الجنوب السوري مرحلة جديدة أمس، بعد استعادة القوات الحكومية سيطرتها على كامل نقاط الشريط الحدودي مع الأردن في ريف درعا، والتي كانت في أيدي الفصائل المسلحة لسنوات، لتبقى المنطقة الحدودية قرب التنف وفي محيط وادي اليرموك حيث يتمركز «جيش خالد بن الوليد»، خارج السيطرة الحكومية، إلى حين. وجاء هذا التطور في سياق اتفاق «التسوية» الموقّع قبل أيام، ليكلّل إصرار دمشق على الإمساك بكامل النقاط والمعابر الحدودية مع الأردن. هذا الواقع الجديد يعدّ تحولاً مهماً في المشهد. فالفصائل فقدت بالكامل أيّ اتصال مع الأراضي الأردنية، بما يعنيه ذلك من وقف كافة النشاطات ــ العسكرية وغيرها ــ والتي كانت تنسّق من داخل الأردن مباشرة، عبر غرفة «الموك» وغيرها من مكاتب الارتباط التي أدارت لسنوات معارك الجنوب. وغادر معظم قادة المسلحين إلى الأردن خلال الأيام القليلة الماضية، بصحبة عدد من الناشطين والعاملين مع جهات دولية وإعلامية. وكان ليل أول من أمس آخر نافذة للعبور نحو الأردن، لمن كان يملك وسيطاً نافذاً أمّن له إذن عبور للحدود. أما النازحون الذين تجمّعوا خلال الأيام الأولى للعمليات العسكرية قرب الشريط الحدودي، فقد عاد معظمهم إلى بلداتهم من دون عوائق من جانب الجيش.
وتقدمت وحدات الجيش أمس من نصيب غرباً على طول الشريط الحدودي حتى وصلت إلى محيط كتيبة الدفاع الجوي، فيما تحركت وحدات عسكرية من بلدة خراب الشحم، نحو الغرب أيضاً، لتدخل تل شهاب وزيزون، وتصل إلى وادي نهر اليرموك، على أطراف بلدة حيط، المحاذية لمناطق سيطرة «جيش خالد». وبهذا التقدم، يكون الجيش قد طوّق بالكامل مناطق وجود الفصائل المسلحة في أحياء مدينة درعا الجنوبية، ليصبح تنفيذ باقي بنود الاتفاق مسألة وقت لا أكثر. وتقول مصادر معارضة إن الجانب الروسي هو المسؤول عن تأجيل خروج دفعات الراغبين في المغادرة نحو الشمال السوري، من دون أن توضح السبب. وتشير، وفق وكالة «الأناضول»، إلى أن ما يجري من دخول وحدات الجيش إلى كامل النقاط الحدودية، يخالف مضمون الاتفاق. ومن المتوقع أن يتحرك الجيش لدخول باقي بلدات الريف الغربي القريبة، وهي طفس واليادودة ومزيريب، خلال وقت قريب، ليصبح على تماس مباشر مع نقاط تمركز «جيش خالد»، غرباً، الذي بدأ أمس تحركاً للسيطرة على بلدة حيط. وبذلك يكون أمام الجيش مهمتان لحسم ملف الجنوب بالكامل، وهما، تحرير جيب وادي اليرموك من قبضة التنظيم المبايع لـ«داعش»، ودخول بلدات ريف درعا الشمالي الغربي وريف القنيطرة، بالمفاوضات أو بالنار. ومن غير الواضح ــ حتى الآن ــ ما إذا كان التحرك ضد «جيش خالد» سيبدأ قبل حسم ملف الريف الشمالي الغربي، غير أن المعلومات الميدانية تشير إلى أن وضع الخطط لهذا التحرك قد بدأ قبل مدة.
الأسد: نحو إعادة الإعمار مع الاستمرار في مكافحة الإرهاب

وفي المقابل، لا يمر يوم من دون مناوشات على جبهة القنيطرة، يتخللها قصف متبادل بين الجيش والفصائل. وتأتي هذه الاشتباكات لتفسح في المجال أمام تصعيدٍ لاحق، قد يلزم لدفع المفاوضات، التي كانت قد بدأت عبر الجانب الروسي، قبل إتمام اتفاق بصرى الشام، ولا سيما مع «ألوية الفرقان» و«جبهة ثوار سوريا». وشهد اليومان الماضيان قصفاً مدفعياً نفذته وحدات الجيش لمواقع في محيط نبع الصخر، قرب الحدود الإدارية بين درعا والقنيطرة، بالتوازي مع هجمات متكررة على محاور مدينة البعث. هذا التصعيد ترافق مع تهديد وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بالرد على «أي انتهاك» من قبل القوات الحكومية السورية لاتفاقية «فك الاشتباك ــ 1974». وترى أوساط معارضة أن الفصائل في تلك المنطقة باتت أمام خيارات ضيقة بعد حصار مدينة درعا وعزلها سوى عن الجولان المحتل. ويحتمل أن توافق على اتفاق تسوية، بعد أن تراقب تنفيذ اتفاق الريف الشرقي. ومن المتوقع أن يتم التوافق حول مصير المسلحين ضمن أحياء مدينة درعا، عبر جولة جديدة من المفاوضات. وتتحدث أوساط عن وجود شروط لخروج عناصر «هيئة تحرير الشام» نحو الشمال، ترتبط بالإفراج عن أسرى من قوات الجيش لدى «الهيئة»، من معارك مطار أبو الضهور في ريف إدلب. وبالتوازي مع المحادثات، أكدت الأمم المتحدة أنها ستبدأ على الفور بتوفير المساعدات الإنسانية للمدنيين في محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، بعد تلقّيها طلباً من الحكومة السورية في هذا الشأن.
وبينما تعدّ الحكومة العدّة لإعداد معبر نصيب والطريق منه نحو الداخل السوري، أشار السفير العراقي لدى دمشق، سعد محمد رضا، إلى أن العمل جار على فتح المعابر الحدودية بين بلاده وسوريا، وخاصة معبر القائم ــ البوكمال. هذا التوجه نحو تفعيل الحركة التجارية، جاء في وقت أكد فيه الرئيس بشار الأسد، خلال لقائه ديبلوماسيين في وزارة الخارجية، أن «إعادة الإعمار هي أولى الأولويات... بما يدعمها من الاستمرار في مكافحة الإرهاب حتى تحرير كافة الأراضي السورية مهما كانت الجهة التي تحتلها». ولفت إلى ضرورة «تعديل القوانين والتشريعات بما يتناسب والمرحلة المقبلة، ومكافحة الفساد، وتعزيز الحوار بين السوريين، وعودة اللاجئين»، إلى جانب «تنشيط المسار السياسي الذي يعرقله بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية».