دمشق | منهاجٌ قديمٌ بحلة جديدة، فتح «طاقة القدر» للطلاب الذين انقطعوا عن الدراسة لأعوام، واعتقدوا وذويهم أن الحرب لفظتهم خارج أسوار المدرسة، فأصبح حلم متابعة التعليم وتعويض السنوات التي أُخذت من أعمارهم الصغيرة محققاً، بعد أن كان ذلك صعب المنال، وخاصة لمن عاشوا ويلات الحرب في المناطق الساخنة. النظام التعليمي لمنهاج «الفئة ب» شرّع أبوابه على مصراعيها، فكان التوافد إليه كبيراً ولا يزال مستمراً. تجلس روان (11 عاماً) في المقعد الأخير من الصف الذي يكتظ بطلاب من مختلف الأعمار في إحدى مدارس منطقة دمّر. تعرف أنها الأكبر سناً بين زملائها وزميلاتها، وأن الفارق العمري بينها وبين بعضهم يتجاوز أربع سنوات، ولكنها تتابع دروسها بشغف رغم الصعوبات التي تواجهها بعد انقطاع دام ست سنوات عن المدرسة. فبعد وصولها قبل عامين إلى دمشق قادمة من مدينة البوكمال، لم تفكر والدتها في إلحاقها بالمدرسة، ظناً منها أن «ما فات مات»، إلا أن محاولة تعويض السنوات الضائعة بمقترح من بعض الجيران نجحت، فعادت روان إلى المدرسة وأخذت تحلم بأن تصبح معلّمة ناجحة وتعود لتدرّس في مدينتها. وكذلك أحمد (8 أعوام) الذي خرج مع عائلته أخيراً من الغوطة الشرقية ويقيم حالياً في أحد مراكز الإيواء في منطقة عدرا، بدأ بمتابعة الدروس التي تقام في المركز مع الكثير من الطلاب المتأخرين دراسياً، يجيب بنحو خاطئ عن بعض الأسئلة الرياضية البسيطة بعفوية وابتسامة، وتبرر والدته ذلك بأنه لم يلتحق سابقاً بالمدرسة، رغم وجود مناهج كانت تفرضها الفصائل المسلحة في بعض مناطق الغوطة، وتجد أنه قادر على اللاحق بمن هم في سنّه لأنه «ذكي حقاً»، وفق تعبيرها.
استهدف المنهاج أكثر من 56 ألف طالب وطالبة في نحو 500 مدرسة

المدرّسة عبير محمد، وهي من المدرّسين الذي خضعوا لدورات تدريبية في تدريس «المنهاج ب»، توضح أن الفرصة التي أُتيحت لمثل هؤلاء الطلاب لمتابعة تعليمهم هي فرصة ذهبية، وتقول: «سوف يجدون، ونجد نحن ككادر تدريسي، صعوبات كبيرة في دراسة المنهاج، إلا أن النتائج ستكون مذهلة... والتسهيلات التي تُقدم للأهالي لتشجيعهم على إلحاق أولادهم بالمدارس واضحة ومحفزة».
لم يكن «المنهاج ب» الذي يُطبّق في سوريا منذ وقت طويل، بنفس الشكل والفعالية التي فرضتها ظروف الحرب، إذ كان سابقاً عنواناً ينطوي تحته تدريس التلاميذ الذين لم يسبق لهم دخول المدرسة ممن تراوح أعمارهم بين 8 و12 سنة، حيث يُنهي هؤلاء التلاميذ منهاج كل صف مدرسي كامل في فصل دراسي واحد، أي «كل صفين بسنة»، حينها كانت الأعداد قليلة جداً، إلا أنه مع تزايد أعداد التلاميذ الذين لم يتسنّ لهم دخول المدرسة أو انقطعوا لسنوات عنها، لأسباب عدة؛ أولها سيطرة الإرهاب على بعض المناطق ومنع التدريس فيها، وليس آخرها التهجير، فرض هذا المنهاج نفسه على الساحة التعليمية في سوريا وبشكلٍ جديد.


ويوضح مدير التوجيه في وزارة التربية، المثنى خضور، في حديث إلى «الأخبار» «أن هذا المنهاج تعليم نظامي موازٍ لتعليم الفئة (أ)، ويتمتع بالمرونة حيث يمكن التلميذ متابعة تعليمه في الفئة (أ) عند اجتيازه المستويات بنجاح ووصوله إلى العمر المناسب، وقد لقي قبولاً من قبل الأهالي، وانعكس ذلك من خلال الأعداد الكبيرة التي التحقت والتي لا تزال تلتحق به»، مضيفاً أن «وزارة التربية قامت بالتعاون مع منظمة (يونيسف) بتدريب الأطر التربوية والإشرافية لمتابعة تطبيق المنهاج الجديد، ووصل عدد المعلمين المدربين إلى نحو 1600 موجه ومدرس ومعلم منذ انطلاق المشروع». ومنذ البدء في تطبيقه مع بداية الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي 2015 ــ 2016، استهدف حتى اليوم أكثر من 56000 تلميذ وتلميذة، في نحو 500 مدرسة موزعة على جميع المحافظات، أكثرها في محافظة حلب، حيث طُبق فيها ضمن 347 مدرسة ووصل عدد الطلاب أكثر من 32000 تلميذ وتلميذة.

طلاب الغوطة أيضاً
بعد تحرير الغوطة الشرقية وعودة عجلة الحياة إلى الدوران تدريجاً، كان التعليم حاضراً في عمل المؤسسات الحكومية من خلال البدء بترميم عدد من المدارس في كل من سقبا وكفربطنا وحرستا والنشابية ونجها وحزة وعين ترما وزملكا. وقد حددت وزارة التربية في خطتها الأولية صيانة 46 مدرسة في الغوطة الشرقية، واختيرَت المدارس ذات الأضرار المادية البسيطة، والتي لا تتجاوز كلفة إصلاح كل منها عشرة ملايين ليرة للعمل على ترميمها وتجهيزها بسرعة بغية استقبال الطلاب، وذلك وفقاً لحديث مدير التعليم الأساسي في وزارة التربية، وائل محمد. ومن المتوقع عودة نحو 30 ألف طالب إلى مقاعد الدراسة في الغوطة، أما عدد التلاميذ في سن التعليم الموزعين على مراكز الإيواء التي أحدثتها محافظة ريف دمشق في الدوير وعدرا وحرجلة والنشابية ونجها والفيحاء، فقد وصل إلى 15 ألف طالب، وبُدئ بالعملية التعليمية في بعض مراكز الإيواء والمدارس بعد تزويدها بحقائب مدرسية وقرطاسية وكتب مدرسية، وأغلب هؤلاء الطلاب سيُدرَّسون وفق منهاج «الفئة ب» بسبب انقطاعهم عن التعليم سنوات. كذلك صدر بلاغ وزاري يتضمن تمديد العام الدراسي لهم حتى نهاية العطلة الصيفية للعام الحالي لتعويض الفاقد التعليمي لديهم.


منهاج «علاجي»
يوضح رئيس شعبة التعليم الإلزامي في مديرية تربية دمشق، عبد الله الحسن، في حديث إلى «الأخبار» أن وزارة التربية بالتعاون مع منظمة «يونيسف» قامت منذ ثلاث سنوات بتخصيص مناهج خاصة للتلاميذ المتضررين من الحرب وطباعتها، وهي مؤلفة من 4 مستويات، تُدرّس فيها المواد التعليمية الأساسية، وتضم المفاهيم التي وضعت في المنهاج الأساسي. بالإضافة إلى وجود «حصص علاجية» لتقليل الفروق بين التلاميذ ومعالجة النقص لدى الحالات الفردية. ويضيف أن «المنهاج يعوض الفاقد التعليمي الذي خسره الطالب خلال فترة انقطاعه عن الدراسة، ويمكّنه من العودة إلى صفه المدرسي الطبيعي، وخاصة مع التسهيلات الكبيرة التي قدمتها وزارة التربية في موضوع تسجيل الطلاب الذين لا يحملون أوراقاً ثبوتية، واستمرار التسجيل على مدار العام».