أجرت قناة «أن تي في» الروسية مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد، في وقت تشهد سوريا «تحمية» للميدان في جنوب البلاد، على رغم التهديدات الأميركية والإسرائيلية التي تحذّر دمشق من القيام بعملية عسكرية ضد المسلّحين هناك. في ما يلي أبرز ما ورد في المقابلة، نقلاً عن وكالة «سانا» الرسمية، التي نشرتها اليوم باللغة العربية.
عن العوامل التي أسّست لاندلاع الحرب في سوريا، أكّد الأسد أنها ليست داخلية، معتبراً أن لدى سوريا وشعبها مشاكل كسائر الشعوب والدول في المنطقة. في الوقت ذاته، أشار إلى أن العوامل كانت خارجية، أيضاً، و«هذا الذي لم يكن واضحاً بالنسبة لنا، وهو العامل الخارجي، نحن لم نره لأن هذا المخطط لم يوضع في سوريا، بل في بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في شكل أساسي. بعض الدول التابعة مثل تركيا والسعودية وقطر كانت تخطط وترسل الأموال منذ البداية، بعدما فشلت في خلق ثورة عفوية، إذا جاز التعبير. هنا بدأوا بإرسال الأموال، وهنا بدأت المشكلة، وكان ذلك واضحاً لنا منذ البداية، لكن ربما لم نستطع السيطرة عليها». وعند سؤاله عن الأسباب التي جعلت سوريا ميداناً للحرب في سياق مخطط أميركي غربي لتغيير الوجه السياسي للمنطقة، أجاب الأسد أن ذلك لعدد من الأسباب المختلفة، وقال: «سوريا جزء من مجموعة دول تعد دولاً مستقلة، سوريا وإيران وكوريا الشمالية، والآن روسيا بصفتها بلداً مستقلاً، والغرب لا يقبل بأي موقف مستقل». وأضاف: «الموقع الجيوسياسي لسوريا مهم جداً، فالتحكم بسوريا كان هدفاً للقوى العظمى... إذاً لا يهم إذا كانت سوريا صغيرة أم كبيرة، فهي مهمة في كل الأحوال».

أهمية الوجود العسكري والسياسي الروسي في سوريا
قال الرئيس السوري إن «وجود روسيا عسكرياً وسياسياً هنا في سوريا وفي الشرق الأوسط وفي بقية أنحاء العالم، مهم جداً للمحافظة على هذا التوازن، إن المحافظة على هذا التوازن مهم جداً ليس لروسيا نفسها وللقوى العظمى وحسب، بل مهم للدول الأصغر مثل سوريا، هذا ما نتوقعه من روسيا على كلا المستويين، أي محاربة الإرهاب والمحافظة على التوازن الدولي».
وعند سؤاله عمّا قدمته روسيا من جنود وأموال في مساعدة سوريا لمحارب الإرهاب، قال: «أنتم تدافعون عن السوريين، لكنكم تدافعون عن الروس، وبالتالي فقد دفعتم الثمن في سوريا من خلال دفاعكم عن السوريين، لكنكم تدافعون عن الروس أيضاً، لأن الإرهاب لا حدود سياسية له، بالنسبة لهم، فإنه ميدان معركة واحد يمتد من روسيا إلى سوريا، وربما إلى إندونيسيا، وربما إلى المغرب على المحيط الأطلسي».

العملية السياسية وإدارة المعارك
بالحديث عن العملية السياسية في سوريا، وعن مصالح الدول الموجودة في سوريا، أكّد الأسد أن «العملية السياسية ستكون سورية صرفة، ونحن لا نأخذ في الاعتبار مصالح أي بلد آخر في ما يتعلق بأمر داخلي». وأضاف مستطرداً: «إذا تحدثت عن الحرب، فإنها أصبحت الآن حرباً دولية لأنها بدأت كذلك، في الواقع فإن الأمر لم يكن يتعلق فقط بالحكومة السورية، الحكومة السورية مستقلة، ونحن لدينا علاقات جيدة مع روسيا والصين وبلدان أخرى، الولايات المتحدة أرادت إعادة رسم خريطة العالم سياسياً وربما عسكرياً، وبالتالي فقد كانت سوريا أحد ميادين المعارك الرئيسية في إعادة رسم هذه الخريطة، على الأقل في الشرق الأوسط، ولذلك فعندما تتحدثين عن تلك المصالح تجدين أن هذه معركة بين هذه القوى، القوة الأولى هي الولايات المتحدة وحلفاؤها الذين يدعمون الإرهابيين بهدف بسط الهيمنة، القوة الأخرى هي روسيا وحلفاؤها، وهدفهم محاربة الإرهاب واستعادة القانون الدولي».
وعند سؤاله إذا ما كان سيترشح للفترة الرئاسية المقبلة، قال الأسد: «في ما يتعلق بالرئاسة، ثمة عاملان، العامل الأول هو إرادتي، وإرادتي ستستند إلى العامل الثاني وهو إرادة الشعب السوري، لا يزال أمامنا ثلاث سنوات، في ذلك الوقت، أي في العام 2021 هل سيكون الشعب السوري مستعداً للقبول بذلك الشخص بذلك الرئيس أو لا؟ إذا كان الجواب بلا فما الذي أفعله بالرئاسة؟ لا أستطيع فعل شيء، لا أستطيع النجاح، لا أستطيع أن أعطي بلادي أي شيء، وبالتالي فإن الجواب سيكون لا، وإذا كان الجواب نعم فعندها سأفكر في الأمر، لكن لا يزال ذلك مبكراً، لا يزال أمامنا ثلاث سنوات حتى ذلك الوقت».
وبخصوص «الإصلاحات الدستورية التي طلبتها الأمم المتحدة» كما قالت المحاورة الروسية، قال الأسد: «إذا أجري استفتاء وطني وعبّر الناس عن دعمهم لدستور جديد فإننا سنفعل ذلك بالطبع، لكن هذا لا يتعلق أبداً بإرادة الأمم المتحدة أو الدول الأجنبية، سيكون هذا الأمر سورياً بالكامل، إذا لم يرغب السوريون بأي تغيير فلن يكون هناك أي تغيير على الإطلاق».
أما في شأن طريقة استعادة السيطرة على المناطق التي لا تزال تحت سيطرة المسلحين، خصوصاً الشمال السوري، قال الأسد: «لقد تبنينا مقاربتين، المقاربة الأولى والرئيسية كانت المصالحة، وقد نجحت، بهذه الطريقة تمكنا من استعادة مناطق عدة إلى وضعها الطبيعي. المقاربة الأخرى تتمثل في قتال الإرهابيين عندما لا يستسلمون وينضمون للمصالحة، سنقاتلهم ونبسط سيطرتنا بالقوة، ليست هذه طريقتنا المفضلة، لكنها الطريقة الوحيدة لاستعادة السيطرة على البلاد».
الأوروبيين الذين يتحدثون عن القدوم إلى سوريا لإعادة الإعمار لا يأتون لمساعدة سوريا، بل للحصول على المال(سانا)

إعمار سوريا لن يكون للغرب
أكّد الرئيس السوري، كما في كل مرة، أن الدول الغريبة لن تكون جزءاً من إعادة إعمار سوريا. وقال: «لن نسمح لهم أن يكونوا جزءاً منها، سواء أتوا بالمال أم لا، وسواء أتوا بقرض أو بمنحة أو بتبرع أو بأي طريقة كانت، نحن لسنا بحاجة للغرب، الغرب ليس نزيهاً على الإطلاق، هو لا يعطي، بل يأخذ وحسب. إن الأوروبيين الذين يتحدثون عن القدوم إلى سوريا لإعادة الإعمار لا يأتون لمساعدة سوريا، بل للحصول على المال، وقد بدأت عدة شركات أوروبية بالتواصل معنا لفتح الباب أمامها للقدوم والاستثمار في سوريا».

التحدّث للأميركيين الآن مضيعة للوقت
استرجع الرئيس الأسد سياق المفاوضات التي خاضتها سوريا مع الولايات المتحدة منذ عام 1974، وقال بالخصوص: «منذ مفاوضاتنا الأولى مع الولايات المتحدة في العام 1974 فإننا لم نحقق أي شيء في أي موضوع، المشكلة مع الرؤساء الأميركيين هي أنهم رهائن لمجموعات الضغط لديهم. إن التحدث إلى الأميركيين ومناقشتهم الآن من دون سبب، ومن دون تحقيق شيء، مجرد إضاعة للوقت، لا يسعدنا التحدث إلى الأميركيين لمجرد أنهم أميركيون، نحن مستعدون للنقاش مع أي طرف يثمر النقاش معه، ولا نعتقد أن السياسة الأميركية ستكون مختلفة في المستقبل المنظور، وبالتالي مرة أخرى، سيكون ذلك مضيعة للوقت الآن».
وعند سؤاله عن الدور التي تقوم به الولايات المتحدة مع تركيا في الشمال السوري، قال: «الأميركيون يسيطرون على كل شيء. إنهم يسيطرون على تركيا، وأميركا أرسلت تركيا، وأميركا منعت تركيا قبل خمس سنوات عندما أراد أردوغان غزو سورية، لماذا؟ لأن الإرهابيين حينذاك كانوا يحققون نجاحات. كل هذه المناطق تحت سيطرة الولايات المتحدة ولا أحد سواها». كذلك، أضاف: «... دعموا داعش في الشرق، ودعموا جبهة النصرة في إدلب في الشمال الغربي، ودعموا داعش والنصرة وفصائل أخرى في الجنوب. الأميركيون يفعلون ذلك، لكنهم يعطون أدواراً مختلفة لدول مختلفة، أحياناً يطلبون ذلك من الأتراك، وأحياناً من السعوديين، وأحياناً من القطريين وهكذا، لكن كل تلك الدول، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا جميعها دمى وتوابع أميركية، كي نكون في غاية البساطة والوضوح».