في مقابل تعاظم التعاون العسكري والسياسي الاستراتيجي بين سوريا وروسيا، بقيت العلاقات الاقتصادية في مستوى أقل، مع توقعات بأن تأخذ مساراً جديداً بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة إلى سوتشي، حيث حضر الجانب الاقتصادي على طاولة المباحثات الثنائية مع الرئيس فلاديمير بوتين، خاصة ملف مساهمة الشركات الروسية في إعادة الإعمار ودعم الاقتصاد السوري. وهو ما زاد جرعة التفاؤل عند رجال الأعمال والمسؤولين السوريين أنفسهم، لكون تفعيل التعاون الاقتصادي ــ كما يغمزون من دون الإشارة إلى ذلك صراحة ــ يتطلب قراراً سياسياً، على أن تذلل بعده كل العقبات الناجمة عن حصار مفروض على البلدين. ووفق آخر نشرة إحصائية للمكتب المركزي للإحصاء، والتي نشرت مؤخراً وركّزت على شركاء سوريا التجاريين الكبار خلال العام 2016، حلّت روسيا في المرتبة الثالثة من حيث حجم التبادل التجاري، الذي تجاوز العام الفائت عتبة 180 مليون دولار، مع توقعات بزيادته خلال العام الحالي، وخاصة في ظل حراك اقتصادي واضح مؤخراً بين البلدين، عبر إقامة «الملتقى الاقتصادي السوري الروسي» ومشاركة سوريا في مؤتمر يالطا الأخير.التفاؤل في تطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية، عبّر عنه وزير الاقتصاد سامر خليل، الذي لفت إلى وجود خطوات عملية يجري المضي بها، عبر إعادة تفعيل «اللجنة السورية الروسية المشتركة»، وعقد اجتماعات عديدة هدفها تعزيز التبادل التجاري، إضافة إلى العمل على توقيع اتفاقيات تجارية وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار، مشدداً على أن هذه الفترة تعد الأمثل لاتخاذ الشركات الروسية قرار الاستثمار في سوريا، التي ستكون أرضاً لواحدة من أكبر ورشات إعادة الإعمار في العالم. وهو ما يؤكده مدير عام «هيئة الاستثمار السورية» مدين دياب، عبر إشارته إلى وجود 29 فرصة استثمارية حقيقية في جميع المجالات التي تلبي حاجة الاقتصاد المحلي والمستثمرين الروس، لافتاً إلى «وجود نية وإرادة عند الشريك الروسي للاستثمار في سوريا، لكن الخطوة العملية تبدأ بحجز هذه الفرص، وقد طرحت لتفعيل هذه الفرص شراكة بين القطاع الخاص السوري والمستثمرين الروس عبر إقامة مشاريع مشتركة يتحمل الطرفين المخاطر ويتقاسمان الأرباح».

صعوبات عديدة
طرحت سوريا استراتيجية التوجه شرقاً للالتفاف على العقوبات الاقتصادية الغربية والعربية، لكنها لم تُفعّل على النحو المطلوب. مديرة العلاقات الاقتصادية الدولية في وزارة الاقتصاد رانيا الأحمد، ترى العكس، وتقول أنه «لا يوجد تقصير في تفعيل هذه الاستراتيجية، فحينما نتكلم عن علاقات بازرة مع روسيا والصين وإيران وفنزويلا، يعني ذلك أن التوجه شرقاً أخذ طريقه إلى التنفيذ، لكن الإشكالية تكمن بوجود صعوبات تؤثر على تفعيل العلاقات المشتركة كالحصار الاقتصادي وبعد المسافة»، لافتةً إلى وجود عمل كبير لزيادة التبادل التجاري مع روسيا لكن الصعوبات تحد من رؤية نتائج ملموسة، كالقيود على حركة الأموال بسبب العقوبات على البلدين، ومشاكل الشحن وتكاليفه. وترى أن «من الضروري تأسيس شركة نقل وبنك مشتركين، علماً أن روسيا أعلنت استعدادها لعقد اتفاقية لإقامة مصرف مشترك أو التعامل بالعملات المحلية»، لافتة إلى أن «التجار والمصدرين يطالبون بإعطائهم ميزة تفضيلية بمنحهم 25% من قيمة الرسم الجمركي، وهنا اتفق مع الجانب الروسي على إنشاء قناة تبادل الكترونية بين هيئة الجمارك الفيدرالية الروسية والجمارك السورية لتسهيل التبادل التجاري، وهذا الأمر متابع حالياً بين الجانبين». وطالبت بعدم «جلد الذات» بسبب ميل الميزان التجاري لصالح روسيا، كون هيكلية الصادرات السورية يغلب عليها الخضار والفواكه وزيت الزيتون، بينما تتركز الصادرات الروسية في قطاع الآليات الثقيلة، كما أن حجم اقتصاد البلدين يختلف تماماً، على حد قولها.
ارتفاع أجور النقل والرسوم الجمركية أضعف منافسة المنتج السوري


ويبدو أن للقطاع الخاص دوراً كبيراً في تفعيل العلاقات الثنائية بتفويض من حكومتي البلدين، وهو ما يرجعه وزير الاقتصاد السوري إلى مرونته وقدرته على التحرك السريع لإزالة الصعاب التي تعترض تطوير هذه العلاقات. ويقول نائب رئيس مجلس الأعمال السوري ــ الروسي، جمال قنبرية إن «قطاع الأعمال بدأ التحرك لزيادة التبادل التجاري من خلال اللقاءات المستمرة والزيارات المتبادلة وتعريف رجال الأعمال على بعضهم، علماً أن المجلس السوري الروسي يضم أكثر 120 رجل أعمال سوري، مع 22 ألف رجل روسي». ويشير إلى «وضع نماذج جديدة للتعاون الثنائي عبر نظام إحلال المنتجات السورية في الأسواق الروسية الواعدة من خلال إقامة مراكز تجارية في المدن الروسية، إضافة إلى اعتماد نظام المقايضة، بحيث تستورد المواد الأولية الروسية كمدخلات للصناعة والآلات اللازمة للإعادة الإعمار مقابل تصدير المنتجات السورية، التي يتوجب الاهتمام بجودتها والتركيز على تطوير الشكل بغية جذب المستهلك الروسي». ويبيّن قنبرية أن «مرحلة إعادة الإعمار ستكون مبشرة للعلاقات الثنائية عند تأسيس شركات مشتركة حقيقية»، مشيراً إلى أنه بعد ستة أشهر ستقيم التجربة، وحتماً سيكون هناك نتائج هامة تنعكس إيجاباً على الطرفين، وخاصة بعد التغلب على 80% من العقبات في مجال النقل والتحويل المالي.

تأسيس حراك اقتصادي
خازن اتحاد المصدرين إياد محمد، تحدث بجرأة أكبر عن الصعوبات التي تحول دون تفعيل العلاقات الاقتصادية الثنائية بالقول: «عمل قطاع الأعمال بالتعاون مع الملحقية التجارية الروسية والسفارة الروسية في موسكو على تنمية العمل الاقتصادي إلى مستوى العلاقات السياسية، لكن لا يزال موضوع النقل والجمارك عقبة كبيرة في وجه دخول البضائع السورية إلى الأسواق الروسية، حيث صدم المصدرين بعدم وجود نقل بحري منتظم». ويضيف أن «ارتفاع أجور النقل والجمارك العالية أضعف منافسة المنتج السوري خاصة المنتجات الزراعية والألبسة، كما أن دخول غير المختصين على خط العمل الاقتصادي المشترك ومشكلة تأشيرات الدخول لرجال الأعمال أثر على التبادل التجاري».

طرحت سوريا استراتيجية التوجه شرقاً للالتفاف على العقوبات الاقتصادية (أ ف ب )

وحول كيفية التغلب على هذه العقبات، أكد محمد أنه «نظراً لعدم إمكانية عقد اتفاقيات جمركية مباشرة إلا مع الاتحاد الأوراسي، طلب المصدرون استفادة السلع السورية من الأسعار الاسترشادية المخفضة في روسيا بغية عكسها على التكلفة، وهذا مطبق على المنتجات الزراعية بشكل غير منتظم، كما أن رجال الأعمال يعملون على نظام أفضيلة الواردات الروسية عبر إحلال بضائعها محل الواردات من دول الأخرى والعكس». وشدد على «وجود رغبة كبيرة من المسؤولين الروس في التعامل الاقتصادي مع سوريا، حيث يوجد نشاط واضح لشركات روسية كبيرة بتشجيع حكومي لإزالة العقبات وتحمل تكاليف تأسيس حراك اقتصادي بين البلدين، بالتزامن مع نشاط جيد لمنظومات رجال الأعمال بغية تنشيط هذه العلاقات والتوجه نحو عقد اتفاقيات بين الشركات الروسية والسورية، لذا من الطبيعي أن يعطي هذا الحراك إنتاجية تنعكس إيجابياً على الشعبين السوري والروسي». وبالتوازي، أكد رئيس اتحاد الغرف التجارية السورية غسان القلاع، أن «العلاقات الاقتصادية السورية الروسية، مهمة، لكنها يجب أن تكون أنشط، مما هي عليه في الوضع الراهن، وهذا يتحقق عبر تعدد الزيارات واللقاءات وإقامة المعارض ليس في العاصمة الروسية فقط وإنما في المدن الروسية الأخرى، التي تتشابه عاداتها الاستهلاكية مع العادات السورية». ورغم اعتبار المسؤولين ورجال الأعمال السوريين الحصار الاقتصادي العقبة الأساسية أمام تفعيل العلاقات، إلا أن القلاع يعتبره من عقبات الصف الثاني، فبرأيه حينما تتوافر النوايا والإرادة يسهل التبادل التجاري، معتبراً أن إقامة مصرف أو شركة صرافة لتحصيل القيم الصادرة والواردة، يخفف أعباء التحويلات المصرفية عبر تسديد القيم مباشرة دون حاجة إلى مساعدة الغير، كما أن النقل ليست مشكلة فعلية لوجود خط بحري يفعّل بصورة دائمة إذا كان حجم الصادرات كبيراً، بحيث يكون السفر دورياً من الموانئ السورية إلى الروسية، من دون اقتصارها على الخضار والفواكه وإنما السلع النهائية أيضاً، وبالمقابل تستورد سوريا الآلات المناسبة لمرحلة إعادة الإعمار. ويشير القلّاع إلى أن «السر بتفعيل العلاقات الثنائية يكمن بتصدير منتجات بمواصفات نوعية وسعر منافس، وعند تحقيق ذلك تصبح السوق الروسية جاهزة لاستقبال السلع السورية».