وتحت عنوان «عناق الدب الروسي»، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الفهم الإسرائيلي للموقف الروسي في التلاعب على المشاعر ودغدغة مصالح المسؤولين الإسرائيليين، بما يعني بنيامين نتنياهو تحديداً، مشيرة إلى أن الروس يدركون جيداً الأغراض الداخلية للقادة الإسرائيليين، وأنها أهم بالنسبة إليهم من أي شيء آخر، لذا أبرزوا في الأسابيع الأخيرة تعاطفاً مع إسرائيل، في محاولة للتأثير عليهم، و«هم يعرضون إخراج القوات الإيرانية من المنطقة الحدودية، وإن كانت هذه هي نتيجة طيبة لإسرائيل، لكن في المقلب الآخر من المعادلة اتفق الروس مع الإيرانيين على عدم إزعاج القوات الايرانية في المناطق السورية عدا الحدود، الأمر الذي يناقض تصريح نتنياهو بأن إسرائيل لن تقبل بأي وجود عسكري إيراني في سوريا».
تدرك إسرائيل أن أيّ تفاهم مع الجانب الروسي هو اتفاق يوقّع على جليد رقيق
وتدرك إسرائيل أن أي تفاهم مع الجانب الروسي هو اتفاق يوقّع على جليد رقيق، كما يؤكد الإعلام العبري، «بل إن الاتفاق الذي يكتب له الحياة والديمومة، هو اتفاق مع الجانب الأميركي تحديداً، وهو ما يمكن الحفاظ عليه مع مرور الوقت». وبحسب خبراء إسرائيليين، مثل أليكس فيشمان في «يديعوت أحرونوت»، فإن «الاتفاق الأهم هو بين إسرائيل والولايات المتحدة على إبقاء قوات أميركية في سوريا. وإذا لم يكن الأميركيون هناك في السنة المقبلة، فإن دخول الجيش السوري إلى الجولان، في ظل الظروف الحالية، هو دعوة إلى حدود لا تهدأ».
على هذه الخلفية يأتي الاتفاق بين تل أبيب وواشنطن على تنسيق المواقف والتصريحات، والأفعال، بين الأميركي المتشدد الذي يطلق تصريحات متطرفة لا مجال للتفاهم معها، والإسرائيلي الذي يعقد اللقاءات ويظهّر مواقف وتفاهمات لم تتبلور بعد. وبحسب التسريبات في تل أبيب، فإن لقاء مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات، ونظيره الأميركي جون بولتون، قبل أيام، ركّز على التفاهمات التي بدأ الروس بلورتها مع كافة الأفرقاء بخصوص جنوب سوريا، و«اتفق بن شبات وبولتون على التنسيق الكامل في المواقف، ومعارضة أيّ تغييرات في اتفاق تموز 2017 (منطقة خفض التصعيد في الجنوب السوري)، إلى أن يتعهد الروس بإخراج الإيرانيين من المنطقة القريبة من الحدود، والبدء بمناقشة جدية لإخراج الإيرانيين من كل سوريا».
في ذلك، يسعى الاميركي إلى تظهير موقف متطرف رافض لتغيير تفاهمات عام 2017، فيما يسعى الإسرائيلي إلى التفاوض مع الروسي، ويضع أهدافاً طموحة جداً يستعصي على الروسي تحقيقها حتى وإن أراد ذلك، وهو المطالبة بإبعاد القوات الإيرانية لمسافة 90 كيلومتراً عن الحدود، مع الإبقاء على «حرية العمل» قائمة لدى إسرائيل في شنّ اعتداءات في سوريا؛ فيما الجانب الأردني المشغول في مشاكله الداخلية، يهتم فقط في الدفع نحو تفاهم يمنع القتال العسكري ويمنع بالتالي تدفق اللاجئين إليه، مع التسليم بضرورة «إمساك الحدود» من قبل الجيش السوري. ومع هذا وذاك، يبقى للحليفين، الإيراني والسوري، حق النقض ضد أي تفاهمات أو «تداول أفكار» تتناقض ومصلحتهما المشتركة، الأمر الذي يفسر الموقف الحازم الصادر عن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في ربط أي اتفاق يتمّ التوصل إليه بانسحاب القوات الأميركية من التنف، وهي معادلة ترضي دمشق، وتؤمن مصالحها.
مع ذلك، ورغم كل التعارض والمطالب المتطرفة و«الطموحة جداً» للبعض، لا يمكن الجزم بالمطلق بأن الاتفاق لن يبرم، إذ من الواضح أنه تجمد في هذه الأثناء، بانتظار تليين مواقف متطرفة و«فيتوات» عرقلت بلورته. جزء كبير من المطالب يتعلق بـ«طلب الأقصى للحصول على الأدنى»، كما هو موقف إسرائيل، وجزء منها غير قابل للتطبيق، كما هو موقف الأميركي، فيما الجانب الروسي معنيّ بتسوية تعيد السيادة السورية إلى الجنوب بلا جولات قتالية، مع إدراكه جاهزية الجيش السوري لتحقيق هذه المهمة. في النتيجة، الجميع يدرك أن مسار عودة سيادة الدولة السورية قد انطلق بالفعل، وأن حدود القوة والقدرة الفعلية لدى المعرقلين غير قابلة للاستمرار في العرقلة، في ظل واقع معادلات الحرب السورية التي لم يعد بالإمكان الوقوف في وجهها، وإن أمكن تأخير موعد استحقاقها.