دمشق | يبحث ماجد عبيد بين الأوراق التي اصطحبها معه إلى ألمانيا، علّه يجد حُجّة ملكيّة منزله. يتذكر أنه لا يملك ورقة «الطابو الأخضر»، لكن في حوزته ورقة وكالة للبيع تثبت ملكية منزله في منطقة داريا (ريف دمشق). كُثرٌ من أمثال ماجد لم يعرفوا بعد ما هي الطريقة المثلى لحفظ ممتلكاتهم، رغم مرور أكثر من شهر على صدور «القانون الرقم 10 للعام 2018» الذي خلّف في أذهان المالكين تخبّطاً ومخاوف كبيرة. صدر القانون المذكور بموجب مرسوم رئاسي في مطلع الشهر الماضي، وجاء في نصّ مادته الأولى «يصدر بمرسوم بناء على اقتراح وزير الإدارة المحلية والبيئة إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية المعرفة بالمرسوم التشريعي الرقم 107 لعام 2011 استناداً إلى دراسات ومخططات عامة وتفصيلية مصدقة وإلى دراسة جدوى اقتصادية معتمدة». وشكّل «القانون 10» مقدّمة لجدلٍ لم ينتهِ حتى اليوم، فهل هو فعلاً «بداية لتغيير ديموغرافي»؟ أم أنه قانون تنظيمي فرضته الحرب؟ أو مجرّد قانون عادي!
حيرة قانونيّة
يرى المحامي عارف الشعال أنّه «يصعب على المختص السير في ركاب نظرية المؤامرة والاشتراك باللغط الذي أثاره هذا القانون قبل دراسة متأنية له، وهذه الدراسة التي نعكف عليها حالياً تحتاج الى وقت، وإلى أدوات لا نملكها في الواقع». يقول إنه «في ظل سياسة الإحجام عن نشر الأسباب الموجبة للقوانين، وتأخر نشر مناقشات أعضاء مجلس الشعب في الجريدة الرسمية لأشهر طويلة، لا مناص من الاعتماد على التحليل والمقارنة والاستنباط للتكهن بما رمى إليه المشرّع بإصداره هذا القانون أو ذاك». ويضيف «تثير التشريعات، العمرانية منها تحديداً، إرباكاً من نوع خاص نظراً إلى تعددها ودقتها وتعقيدها وتشابكها، ومن دون الإحاطة بها كلها ومقارنتها ومقاطعتها مع القانون الجديد لفهم أبعاده، يكون التعليق عليه مفتقراً الى المنهجية العلمية المطلوبة». يوضح أن أسباب الإرباك الذي أثاره هذا القانون متعدّدة «لأنه قانون مزدوج، فهو من جهة قانون قائم بحد ذاته يسمح بإعادة تنظيم المناطق الخاضعة للتنظيم سابقاً التي تقع ضمن المخطط التنظيمي العام، ومن جهة أخرى يشمل تعديلاً عميقاً للمرسوم التشريعي 66 للعام 2012، الذي قام بتنظيم المنطقة الممتدة من خلف أوتوستراد المزة بدمشق حتى جنوب دمشق، وهي مناطق سكن عشوائي ومخالفات كما هو معروف». من بين وجوه الإرباك أنّ القانون «لو كان يرمي إلى معالجة مناطق العشوائيات والمخالفات خاصة، لكان القانون الرقم 33 لعام 2008 الخاص بتثبيت الملكية في مناطق السكن العشوائي مناسباً لهذا الغرض، ولو كان غرضه تنظيمياً بحتاً لاكتفى بقانون تنظيم وعمران المدن الرقم 23 لعام 2015. لكن هذا القانون نصَّ صراحة في مادته الأولى على إحداث منطقة تنظيمية ضمن المخطط التنظيمي العام! أي ضمن المناطق المنظمة والمستقرة أصلاً والتي تعدُّ الملكية فيها مصانة بقوة الدستور».
يمكن لهذا القانون أن يطال مناطق مأهولة غير مدمرة

ثمة وجوه أخرى للإرباك أيضاً، ومنها أنّ «المعيار الذي اتكأ عليه المشرع بإحداث هذه المنطقة التنظيمية هو دراسات جدوى اقتصادية، ولم يقل صراحة إنه ينصب على المناطق المدمرة أو التي تحتاج الى إعادة إعمار، فضلاً عن أن كل أحكام القانون وبنوده تشير إلى إمكانية انطباقه على مناطق منظّمة تحتاج الى إعادة إعمار، أو مناطق لا تحتاج الى إعادة إعمار، بدليل الآليات التي وضعها لحالات الإخلاء وتعويض المستأجرين والمزارعين وتأمين السكن البديل، وبالتالي يمكن لهذا القانون أن يطال مناطق مأهولة غير مدمرة!».

تنظيم المنظم!
وعن المناطق التي يستهدفها القانون، وهل هي مناطق منظمة أم عشوائيات؟ يقول الشعال «حتى الآن، لا نعلم ما هي المناطق التي قد يشملها هذا القانون، ويجب الانتظار لحين صدور مرسوم رئاسي يحدد هذه المنطقة بدقة وبالخرائط المساحية، بعدها يجب انتظار المحافظة أو البلدية التابع لها العقار حتى تعلن عن وجوب قيام أصحاب الحقوق بالتصريح عن حقوقهم، وهي ستقوم بذلك خلال فترة وجيزة من صدور المرسوم بتنظيم المنطقة». يوضح القانونيّ أنّه «عند هذه المرحلة وخلال شهر واحد فقط من الإعلان، يجب على كل من يدّعي حقاً بعقار ضمن هذه المنطقة (حكم محكمة أو وكالة أو عقد) أن يتقدم إلى المحافظة أو البلدية بتصريح عن حقوقه بالعقار، وإذا كان مسافراً أو مطلوباً أمنياً ولا يمكنه القدوم للتصريح فيمكن أن يقوم بذلك نيابة عنه أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة (أي أقاربه حتى أبناء العم والعمة والخال والخالة) وليس شرطاً أن يكون وكيلاً عنه بشكل رسمي، ويكفي أن يبرز بياناً عائلياً يثبت درجة قرابته له». لكن التفصيل الأخير بحد ذاته يبدو كفيلاً بإثارة مخاوف كثير من المالكين الموجودين خارج البلاد، «شلون يعني بلا وكالة؟ وبركي حدا من الأقارب شلّحني البيت بهالطريقة؟»، يقول أبو ماجد، وهو مالك لعدد من العقارات في ريف دمشق، ويقيم منذ عامين خارج سوريا.

«جزئيّات مربكة»
ثمة تساؤلات مطروحة عن سبب وجود تعليمات تنفيذية للقانون، يشرح المحامي الشعال السبب «لأن القانون بكل بساطة لم يكلف أياً من أعضاء السلطة التنفيذية بوضع هذه التعليمات، وبالتالي لا يستطيع وزير في السلطة التنفيذية وضع لوائح تنفيذية لقانون من دون تفويض صريح من المشرّع، وإن فعل يكون تصرفه لغواً غير ذي أثر». ويضيف «كلمة واحدة في غير محلها تسببت بقلق الناس على أملاكها، فتقاطرت إلى السجل العقاري لتثبيت ملكيتها ثانية». يرى الشعّال أنّ «المشرّع لم يوفق في نصّ المادة 6 التي تقول: تدعو الوحدة الإدارية خلال شهر من صدور مرسوم إحداث المنطقة، المالكين وأصحاب الحقوق العينية فيه... إلخ». ويوضح أنّ «هذه الجزئيّة زائدة وغير مبرّرة وسببت إرباكاً كبيراً، فالمالكون وأصحاب الحقوق العينية المسجلة حقوقهم مصانة بقوة التسجيل في السجل العقاري ولا حاجة لدعوتهم أبداً». يرى الشعّال أنه كان يفترض بالمشرع أن يكون أكثر دقة ويدعو «أصحاب الحقوق غير المسجلة» فقط، ويشير إلى أن هذه الجزئيّة المربكة التي تضمّنها بالقانون نُقلت تواتراً ومن دون مبرر عن قانون تنظيم المدن القديم الصادر بتاريخ 22 كانون الثاني عام 1933».
من جانبه، يرى المحامي والخبير في الشؤون العقارية عمار يوسف أنه لا بد من الإشارة أولاً إلى أن «هذا المرسوم صدر تعديلاً للمرسوم 66 المتعلق بمنطقة المزة وبساتين الرازي بشكل خاص، إذ تم توسيع تجربة بساتين الرازي والمزة التي تعدّها الحكومة من التجارب الرائدة». كذلك يشير إلى أن «هذا المرسوم لا يطبق إلا بعد إحداث المناطق التنظيمية الوارد ذكرها في هذا المرسوم، بمعنى آخر إنّه ليس مطلوباً من المالكين القيام بأي إجراء حاليّاً. إذ لم تُحدث مناطق تنظيمية جديدة بعد، وبالتالي لا حاجة إلى إثبات الملكية بأي شكل من الأشكال في الوقت الحالي».

وجهة نظر اقتصادية
يرى الباحث الاقتصادي سامر أبو عمار أنَّ صدور هذا القانون بوصفه جزءاً من التشريعات الناظمة لعملية «إعادة الإعمار» جاء في «الوقت غير المناسب، وبشكل متعجِّل للإيحاء بأنَّ عملية إعادة الإعمار قد بدأت. في حين أنَّ عملية إعادة الأعمار تحتاج إلى خطة اقتصادية اجتماعية مبنية على تخطيط ودراسة معمقة لاحتياجات المجتمع السوري وللتطورات الحاصلة في شتى ميادين الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية». يتوقف أبو عمار عند المادة 1 من المرسوم، ويتساءل «هل العامل الاقتصادي والمؤشرات المالية في دراسة الجدوى الاقتصادية ستلعب دوراً حاسماً في تنظيم وإعادة تنظيم المناطق العقارية، حتى ولو كانت على حساب العامل الاجتماعي والمؤشرات الديموغرافية والقيمة الاجتماعية المضافة ودراسات الأثر البيئي؟». كذلك؛ يشير أبو عمار إلى أنّه «قد تكون هناك خصوصيات لبعض المناطق، ولا سيّما عقارات غوطة دمشق بجهتيها الغربية والشرقية لكونها تتمتع بالخصوبة والتنوع الزراعي، وأخشى ما نخشاه أن يؤدي التنظيم إلى سحق الأراضي الزراعية وتنصيب الأبنية والأبراج على حساب ثروة بلادنا الزراعية والبيئية». ويضيف «لا بدّ من إجراء دراسات اقتصادية وسكانية وبيئية واجتماعية قبل أن يتجه المشرع إلى سنّ هذه القوانين، علماً بأننا نحترم كل قانون صادر لخدمة شعبنا ووطننا الغالي».