تحت عنوان «ترامب يوجّه الجيش للبدء في التخطيط للانسحاب من سوريا»، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تقريراً عن تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن انسحاب القوات الأميركية من سوريا في «وقت قريب جداً»، وما تبع ذلك من تداعيات وأخذ وردّ في الإدارة الأميركية، وما آلت إليه الأمور أخيراً. ووفق التقرير، فإن الرئيس ترامب «أصدر تعليماته إلى القادة العسكريين بسحب القوات الأميركية من سوريا في أقرب وقت ممكن، وقال لهم إنه يريد من الحلفاء العرب أن يتولوا زمام الأمور، وأن يدفعوا ثمن الاستقرار وإعادة بناء المناطق المحرّرة من (داعش)، وفقاً لمسؤولين أميركيين كبار».ترامب يتراجع إلى حين: نزاع مع القادة العسكريين
في التفاصيل، تراجع ترامب «عن إصراره العلني على أن خروج القوات بات وشيكاً، خلال اجتماع جمعه بكبار مساعدي الأمن القومي يوم الثلاثاء الماضي». الرئيس الأميركي «ضغط على وزير الدفاع جايمس ماتيس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف د. دونفورد، ليخبراه بمقدار الوقت الذي يحتاجانه لإنهاء المهمة (في سوريا)»، فكان جوابهما أنّ «من المحتمل أن يكون ذلك أشهراً، وليس سنوات». وبحسب الصحيفة، وافق ترامب على أن الجيش (الأميركي)، مع استمرار القتال ضد جيوب المسلّحين الباقية، «يمكنه تدريب قوات الأمن المحلية». لكنه أكّد أن «الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة في سوريا لا تشمل الحفاظ على الاستقرار، أو إعادة الإعمار، على المدى البعيد». كذلك، أكد أنه «لا يريد أن يكون له الحديث نفسه بشأن الانسحاب (من سوريا) بعد ستة أشهر أو أكثر من الآن».
في غضون ذلك، فإن الإدارة الأميركية تضغط على حلفائها في المنطقة، لدفعهم نحو «بذل المزيد من الجهود في اللعبة»، بحسب تعبير السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض سارة هوكابي ساندرز. وقالت ساندرز، في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، إنه «لم يكن هناك موعد ثابت لرحيل ما يقارب 2000 جندي أميركي عن سوريا»، وأضافت أن الرئيس ترامب «لن يضع جدولاً زمنياً عشوائياً. هو يقيّم الوضع من منظور الفوز في المعركة، وليس من منظور مجرّد إطلاق رقم عشوائي». «الهدف، مرة أخرى، هو هزيمة داعش»، تقول ساندرز، «وعندما لا تعود هنالك حاجة لوجود قوات هناك، ويمكننا التسليم للقوات المحلية، فإن الانسحاب سيكون هو الهدف».
وعلى الرغم من تصريحات ترامب العلنية الأخيرة، التي تقول إن الوقت قد حان لكي تخرج الولايات المتحدة من سوريا، «فإن القادة العسكريين أُخذوا على حين غرّة عبر تضييقه الحادّ لمهماتهم، والدفع نحو انسحاب مبكر»، وفقاً لمسؤولين سيناقشون «التخطيط»، بشرط عدم الكشف عن هويتهم. أحد المسؤولين المطلعين على المحادثات، قال إن «بعض المشاركين قد فسّروا تصريحات ترامب بأنه يعني توقّع انسحاب في غضون ستة أشهر». لكن آخر قال إن «ترامب ــ الذي انتقد مراراً وتكراراً وضع الرئيس باراك أوباما موعداً نهائياً عاماً لانسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011 ــ عبّر عن خيبة أمله ونفاد صبره، إذ إنه لم يضع حداً زمنياً محدداً». وأخبر كبار القادة، الرئيس ترامب، بأن «لديهم خيارات أُعدت لسحب سريع إذا كان هذا ما يريده». في الماضي، بحسب الصحيفة، أكّد القادة مراراً أن «وجود القوات سيكون ضرورياً لمنع عودة ظهور داعش، فضلاً عن تحقيق مكاسب إقليمية على حساب القوات السورية المدعومة من روسيا وإيران، بالإضافة الى إعطاء الولايات المتحدة نفوذاً في الجهود السياسية الرامية إلى تحقيق تسوية للحرب في سوريا».
ساندرز: «لم يكن هناك موعد ثابت لرحيل ما يقارب 2000 جندي أميركي عن سوريا»(أ ف ب )

عندما سئل، في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر، عن المدّة التي ستبقى فيها القوات الأميركية، قال وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس: «إننا لن نرحل قبل التوصل إلى تسوية سياسية بين الحكومة السورية وقوات المعارضة التي كانت تقاتل طوال السنوات السبع الماضية». لقد أوجد هذا النزاع، كما قال الخبراء العسكريون والإقليميون، «الفوضى التي سمحت لداعش بالسيطرة على ثلث البلاد تقريباً، ابتداءً من عام 2014». ماتيس قال حينها: «سنحرص على أن نهيّئ الظروف لإيجاد حل دبلوماسي للحرب الأهلية في سوريا... ليس فقط محاربة الجزء العسكري منها». وقد ردّد الجنرال جوزيف إل. فوتيل، رئيس القيادة المركزية الأميركية، رواية ماتيس يوم الثلاثاء الماضي، إذ قال لجمهور من الخبراء والباحثين الإقليميين إن المهمة العسكرية «شملت تحقيق الاستقرار وتعزيز المكاسب، ومعالجة قضايا إعادة الإعمار على المدى الطويل، بالتوازي مع جهود المساعدات الدبلوماسية وغير العسكرية الأميركية». بحسب الصحيفة، فإن انسحاب القوات العسكرية الأميركية بحلول الخريف، سيسمح لترامب بادعاء الوفاء بتعهّد الحملة (الانتخابية) بالبقاء خارج الحروب الخارجية. هذا التعهّد ثبت أن من الصعب تحقيقه، إذ منذ أن أصبح ترامب رئيساً، زاد عدد القوات الأميركية في أفغانستان وسوريا. وفي آب/ أغسطس، أُعلنت زيادة عدد القوات في أفغانستان، حينها قال ترامب إن «الظروف على الأرض، وليس الجداول الزمنية التعسفية، ستوجّه استراتيجيتنا من الآن فصاعداً». وأضاف أن «عواقب الخروج السريع يمكن التنبؤ بها، وهي غير مقبولة... إن الانسحاب المتسرّع سيخلق فراغاً سيملأه الإرهابيون على الفور، بمن فيهم تنظيم داعش والقاعدة».

ترامب يريد مزيداً من «المال الخليجي»
بحسب التقرير، اتصل ترامب بالقادة الإقليميين، وخصوصاً في الخليج، للحديث عن مساهمتهم بنحو أكبر في الجهود المبذولة في سوريا. كانت السعودية ودولة الإمارات من بين أكثر المشاركين نشاطاً في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هناك، لكن جهودهما تناقصت منذ أن بدأوا حرباً منفصلة في اليمن. وفي كانون الأول/ ديسمبر، أنهى ترامب محادثة هاتفية مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، مؤمناً بأنه حقّق اتفاقاً مع السعودية على مساهمة منها بقيمة 4 مليارات دولار لـ«استقرار سورية»، على الرغم من أن «السعوديين تفاجأوا بنسخة ترامب من العرض!». في أواخر الشهر الماضي، يقول التقرير إن مستشاري الأمن القومي السعودي والإماراتي سافروا إلى الولايات المتحدة لمناقشة الملف السوري مع أتش.آر.مكماستر، مستشار الأمن القومي المنتهية ولايته. وفي الأيام الأخيرة، تحدث ترامب عبر الهاتف مع قادة الخليج، وفي اتصال الثلاثاء مع الملك سلمان، قال البيت الأبيض: «ناقش الرئيس والملك الجهود المشتركة لضمان الهزيمة الدائمة لداعش ومواجهة الجهود الإيرانية لاستغلال الصراع السوري من أجل تحقيق طموحاتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار».

فسّر كلام ترامب بأنه يعني توقّع انسحاب في غضون ستة أشهر(أ ف ب )

وفي التقرير، جاء أن «الحلفاء العرب أعربوا، بالإضافة إلى إسرائيل، عن قلقهم من أن انسحاب الجيش الأميركي من سوريا سيسمح بزيادة النفوذ الإيراني هناك». وقد ردّ ترامب على مخاوفهم، كما قال المسؤولون للصحيفة، بإخبارهم أنهم «يجب أن يكونوا على استعداد للمساعدة في منع ذلك من خلال دفع ثمن الاستقرار السوري». يبدو أن الكثير من قلق ترامب بشأن الوجود العسكري المستمر يدور حول المال، يضيف التقرير. وكان الرئيس ترامب، قد صرّح يوم الثلاثاء الماضي، بأن الولايات المتحدة «لم تجنِ شيئاً من صرف 7 تريليون دولار في الشرق الأوسط على مدار الأعوام السبعة عشر الماضية»، وهي حسابات شملت على ما يبدو، بحسب الصحيفة، حرب أفغانستان ضد طالبان في جنوب آسيا. ويقدر معظم الخبراء تكاليف العمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان والشرق الأوسط، بما في ذلك غزو عام 2003 واحتلال العراق لاحقاً، بأقل من ذلك بكثير، يضيف التقرير.
وفقاً لبريت ماكغورك، المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية إلى التحالف الدولي لمكافحة «داعش» في العراق وسوريا، فقد «أنفقت الولايات المتحدة نحو 100 مليون دولار على استقرار المناطق المحررة من المقاتلين، نصفها على إزالة الألغام، وقال إن أعضاءً آخرين في الائتلاف أنفقوا المبلغ نفسه». وفي الأسبوع الماضي، جمد ترامب، بحسب الصحيفة، مبلغ 200 مليون دولار إضافي للجهود التي أعلنها في كانون الثاني/ يناير ريكس تيلرسون، وزير خارجيته. وقال ماكغورك، متحدثاً مع الجنرال فوتيل، قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، يوم الثلاثاء في معهد السلام الأميركي، إن التمويل قيد المراجعة، حيث «ينظر المسؤولون أين يمكن إنفاقه بشكل أكثر فاعلية». وقال إن «تجميد الأموال لم يعرقل ما نحن بصدده، كإعادة العمل في الميدان في أماكن مثل مدينة الرقة السورية وغيرها من المناطق المحررة، حيث يتمثل الهدف في إزالة الألغام وإزالة الأنقاض وتوفير الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء للسماح للمقيمين الذين فروا من القتال بالعودة إلى ديارهم». كذلك، أضاف ماكغورك قائلاً: «عندما نُجري هذه المراجعة المهمة، قد يتطلب منا ذلك التوجه إلى شركائنا في التحالف وتذكيرهم بأن التحالف لديه دور كبير ليلعبه في هذا الأمر».