دخلت العمليات العسكرية في غوطة دمشق الشرقية مرحلة جديدة، بعد سيطرة الجيش السوري على غالبية المناطق ذات التجمعات العمرانية الصغيرة في الشرق، ووصوله إلى أعتاب المدن والبلدات الكبرى من الجهة الشرقية، بعد سنوات من التماس على حدود أحياء العاصمة فقط.
الانهيار السريع لخطوط دفاع فصائل الغوطة في منطقة المرج، بالتوازي مع تعثّر مسار الهدنة الشاملة في مجلس الأمن، والتي بدأ الحديث عنها قبل وقت طويل من انطلاق عمليات الغوطة، خلط أوراق تلك الفصائل التي تعاني بدورها من انقسامات داخلية حادة حرمتها لسنوات من توحيد جهودها العسكرية. اليوم، باتت الفصائل داخل شريط البلدات المحاذية لدمشق، أمام تحد جديد، يختلف عما واجهته خلال السنوات الماضية. فخطوط الإمداد التي لطالما استعملتها لسنوات عديدة لم تعد متاحة، كما أن المعابر الرسمية التي كانت تمرّ منها المواد الغذائية (وخاصة معبر مخيم الوافدين) بات سالكاً باتجاه الخروج من الغوطة (كمعبر آمن) فقط.

تم إرجاء دخول
قافلة المساعدات
إلى دوما من دون تحديد موعد جديد

ومن شأن توازن القوى الجديد أن يفرض ثقله على ملف التسويات، الذي تعثّر خلال الفترة الماضية، من دون أن يغلق بالكامل. فرِهان الفصائل المسلحة على ضغط دولي يوقف تقدم الجيش ويحافظ على الواقع الميداني، لم تكن في محلّها ـ حتى الآن؛ إذ فشلت واشنطن وحلفاؤها في تقييد العمليات العسكرية برغم الوعيد باستخدام القوة ضد أي استخدام «موثّق» للأسلحة الكيميائية، والدفع بورقة الملف الإنساني لإدانة تحرّك دمشق وحلفائها. في الجلسة الأولى التي طالبت فيها الدول الغربية بإقرار هدنة في مجلس الأمن، علّقت المندوبة الأميركية نيكي هيلي، بالقول إن «النظام السوري لا يريد السلام إلا وفق شروطه». والآن، تبدو دمشق أقرب إلى فرض شروطها لحسم ملف الغوطة الشرقية، بدعم من موسكو، التي قادت جهداً ديبلوماسياً واسعاً في وجه تحالف أميركي ــ بريطاني ــ فرنسي في مجلس الأمن.
على الأرض، استكمل الجيش تقدمه في منطقتي حوش الأشعري وحوش قبيبات، وسيطر على قاعدة الدفاع الجويّ شرق بلدة أفتريس، إلى جانب تواصل المعارك على جبهات مزارع الريحان شرق دوما. ولم يمنع التحرك الميداني من استمرار خطوط التواصل مع عدد من الفعاليات المحلية في بلدات الغوطة، لتفعيل طرح خروج المدنيين نحو مناطق سيطرة الحكومة. وأفضى هذا التوجه إلى إعلان فتح «معبر آمن» جديد أمس، يضاف إلى معبر مخيم الوافدين. المعبر يصل بين بلدتي جسرين التي وصلت عمليات الجيش إلى أطرافها الشرقية، والمليحة التي يتمركز فيها الجيش السوري. وأتى الإعلان عنه بالتوازي مع اتصالات تجريها لجان المصالحة في ريف دمشق وعدد من وجهاء بلدات الغوطة، مع الأهالي والفعاليات الشعبية في تلك البلدات، بهدف تأمين خروج المدنيين. وعلى عكس حال مخيم الوافدين الذي لم يشهد أي عبور للمدنيين المغاردين الغوطة، فإن معبر جسرين ــ المليحة، جاء بعدما تم التفاهم (عبر لجان المصالحة) على خروج عدد من العوائل في قافلة صغيرة. وجرى تجهيز نقاط الجيش في المليحة بحافلات لنقل المغادرين وطواقم طبية للتعامل مع المرضى والمصابين. غير أن العملية التي كان يفترض أن تنجز أمس، لم تتم، وفق ما أوضحت مصادر رسمية. ونقلت تلك المصادر أن المسلحين استهدفوا إحدى سيارات النقل التي كانت تقلّ عدداً من المدنيين، خلال خروجهم نحو المليحة، ما أجبرهم على العودة. وبينما أكدت وزارة الدفاع الروسية ما نقل عن استهداف القافلة على بعد كيلومتر واحد من المخرج الجنوبي للغوطة الشرقية، فقد أشارت إلى أن المسلحين أطلقوا قذائف هاون على منطقة تجمّع لبعض أقارب المدنيين الذين كانوا على متن القافلة وعدد من الصحافيين الذين كانوا ينتظرون وصولها. ومن جهته، أشار رئيس «لجنة المصالحة في ريف دمشق»، يوسف عسكر، إلى أن افتتاح الممر في جسرين جاء استجابة لطلب الأهالي داخل الغوطة، موجهاً الدعوة إلى المدنيين في الغوطة بـ«كسر حاجز الخوف ورفع العلم والخروج عن طريق جسر الغيطة في منطقة جسرين». وكانت بلدات عدة قد شهدت مسيرات علنية في مواقع عامة، ترفع العلم السوري وتطالب المسلحين بالخروج من المنطقة وإتاحة المجال لمصالحة تنهي العمليات العسكرية. وجاء فتح المعبر الجديد من بلدة جسرين، متماشياً مع تقسيم الجيب الذي تسيطر عليه الفصائل المسلحة عسكرياً، إذ تمنع المعارك الدائرة في محيط مديرا، بصفتها نقطة الوصل الوحيدة بين القسمين الشمال والجنوبي، المدنيين في بلدات عربين وجسرين وسقبا وحمورية وغيرها، من العبور نحو دوما فمخيم الوافدين. وبهذا فإن الإعلان عن المعبر يظهر بوضوح أن مفاوضات التسوية في الغوطة، كما العمليات العسكرية، باتت تجري على شقين منفصلين. وفي ضوء تلك التطورات، جرى إرجاء دخول قافلة مساعدات إنسانية، كان قد جرى تحضيرها لدخول مدينة دوما. وقال كبير مستشاري المبعوث الأممي إلى سوريا، يان ايغلاند، إنه «من المستحيل» عبور القافلة بسبب القتال الدائر، مشيراً إلى وجود «جهود دبلوماسية مكثفة» لتحقيق «تهدئة إنسانية» من شأنها أن تتيح إجلاء مئات الحالات الطبية.
(الأخبار)