دمشق | يمر سوق السيارات السورية بأزمة ركود، تعيد إلى الأذهان مرحلة تسعينيات القرن الماضي وأحلام المواطن بشراء سيارة. وبينما، بات الحلم الوردي بالسيارة في المرتبة الثالثة بعد تأمين لقمة العيش الصعبة، والمسكن الذي خسره ما يعادل نصف السوريين جراء النزوح ودمار الحرب، خرجت مديرية الجمارك بقرار جديد يقضي برفع الرسوم الجمركية على قطع السيارات المجمّعة محلياً، بنسبة ما بين 5% إلى 20%.
القرار الذي يفضي بالضرورة إلى المزيد من الارتفاع في سوق السيارات عموماً، والمستعملة بشكل خاص، أثار استهزاء الشارع، إذ إن كثيرين ما عادوا يهتمون بالأمر، في ظل ضعف القوة الشرائية. وبينما رأى البعض أن القرار يصبّ في مصلحة التجار الذين يسعون إلى تصريف السيارات المستعملة المخزنة في المستودعات، وسط معلومات عن احتمال فتح باب استيراد سيارات جديدة كورية المنشأ، خلال الأشهر المقبلة، فإن للمهتمين في سوق السيارات رأياً آخر.
البلبلة الدائرة حول رفع التعرفة الجمركية على القطع المستوردة المستخدمة في تجميع السيارات محلياً، قد تحرف تركيز السوريين عن النتائج الإيجابية للقرار على المدى البعيد. فهو يفضي بشكل تلقائي إلى دعم الناتج المحلي، بسبب ما يوفّره من القطع الأجنبي. يشير غسان (موظف حكومي) إلى التجار بوصفهم المستفيد الأول من حيلة استيراد سيارات جديدة، لا ينقصها سوى قطعة واحدة أو أكثر، وبيعها بملايين الليرات، إنما أضحوا بعد القرار الأخير، على حد تعبيره، المستفيد رقم اثنين، إذ تسبقهم الدولة السورية في الأرباح. وهي محاولة تُحسب للحكومة كنوع من رفع الضريبة على راكبي هذه السيارات من الأثرياء، إنما ــ لا شك أنها ــ بعيدة عن حسابات المواطن السوري العادي. وليس خافياً على السوريين أن فكرة السيارات المجمعة محلياً، بحد ذاتها، تحايل على الاقتصاد المحلي، في ظل وجود سيارات مجمعة محلياً، بترخيص من شركتها الأم في دول أُخرى، كسيارتي «سابا» و«شام»، المتوفرتين بمواصفات وأسعار منافسة للسيارات المستوردة.

يثير القرار تساؤلات بوجود سيارات مجمّعة محلياً بترخيص من الشركة الأم
شركات ومعامل عدة سارعت إلى طرح عروض لأيام محدودة، تشمل بيع هذه السيارات من غير احتساب تكاليف الجمارك الجديدة، وذلك على سياراتها المجمّعة ما قبل القرار الأخير، في محاولة للاستفادة من القرار وتصريف ما لديها. يقرأ رائد، أحد سماسرة سوق السيارات المستعملة، القرار على أنه خطوة من الدولة لدفع السوق الراكد، قبل إلغاء خطوة استيراد قطع السيارات المجمعة محلياً، في مقدمة لعودة الاستيراد، ما يعني هبوط أسعار السيارات لاحقاً. ويعتبر أن التحايل على القانون والجمارك بتجميع السيارات الفاخرة محلياً، عبر استيراد قطعها من الخارج، ليس إلا وسيلة تنتهي بهذه السيارات إلى الركون في المواقف الخاصة بمنازل المسؤولين والأثرياء. ويعزو ركود سوق السيارات إلى عدم تحقيق أي فائدة للمواطنين من تجميع السيارات محلياً، بل إن شراءهم السيارات المستعملة الرخيصة الثمن، يورطهم بأعباء إضافية ناجمة عن مصاريف الصيانة المستمرة.
ويأتي قرار الجمارك الأخير معاكساً تماماً لما سرى من شائعات نسبت إلى الكواليس الداخلية في مجلس الشعب، حول إمكان مناقشة استيراد السيارات السياحية الجديدة والمستعملة، مع بحث مديرية الجمارك إمكان تخفيض تعرفتها عليها. ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن استيراد السيارات السياحية الجديدة مسموح في سوريا لذوي الاحتياجات الخاصة والضباط المتقاعدين حصراً، ما أدى إلى نسبة انخفاض استيراد للسيارات تصل إلى 90% خلال الحرب، بعدما وصل قبيل الحرب إلى 150 ألف سيارة سنوياً. وفيما يأمل سوريون عديدون أن يكون القرار الأخير خطوة على طريق سد الثغرات القانونية، تمهيداً لاستيراد نظامي وهبوط في الأسعار الحالية، يعوّل كثيرون على استفادة الحكومة من مبالغ التعرفة الجمركية، بدلاً من الفائدة العائدة على التجار والقطاع الخاص، في مواجهة التهرب الضريبي المتمثل بمرحلة تجميع قطع السيارات محلياً.