لا يبدو احتواء المعارك المستعرة بين «الإخوة الأعداء» في ريفي حلب وإدلب أمراً مُتاحاً في المدى المنظور. وعلى العكس من ذلك، توشكُ «الفتنة الجهاديّة» في أحدث نسخها على بلوغ نقطة اللاعودة، في استنساخ لسيناريو حرب «النصرة» و«داعش». وخلال اليومين الأخيرين، تواصلت انكسارات «النصرة» أمام تحالف «حركة أحرار الشام الإسلاميّة» و«حركة نور الدين زنكي» («جبهة تحرير سوريا»)، بالتوازي مع تلويح «الحزب الإسلامي التركستاني» بالانخراط في المعركة «رسميّاً».
وكانت مجموعات تابعة للأخير قد أسهمت فعلاً في القتال إلى جانب «النصرة» على غير جبهة، غير أنّ الأمر لم يصل بعد حدّ إعلان «الحزب» الحرب رسميّاً على «تحرير سوريا». وأصدر «التركستاني» أمس بياناً هدّد عبره بأنّه «لن يقف مكتوف الأيدي في حال توسيع الهجوم على إخواننا في هيئة تحرير الشام». وتبنّى البيان رواية «النصرة» في شأن المعارك الدائرة وأسبابها، وحمّل المسؤولية عنها لكلّ من «الأحرار» و«الزنكي»، كما اتّهم «الفصائل» بتعطيل كل «جهود الاندماج السابقة والتملّص منها». ولم يتأخّر جواب «جبهة تحرير سوريا» التي ردّت ببيانٍ حمل تهديدات مضادّة تتوعّد «التركستاني» بـ«حدّ السيف» إذا أصرّ على موقفه. ورغم اللهجة المتلطّفة التي اتّسم بها بيان «تحرير سوريا» في العموم، فإنّ فقرته الأخيرة قد وضعت «التركستاني» أمام خيارين: التزام الحياد وضمان «استمرار وجودهم ضيوفاً على أرض الشام»، أو الدخول في حرب مفتوحة في حال استمراراهم في «مطاوعة البغاة وعداوة أهل الشام». ومع أنّ استمرار حرب البيانات والاتهامات العلنيّة بين مختلف الأطراف قد كشف جزءاً من الاحتقان الدائر وراء الكواليس، فإنّ التفاصيل المُخفاة تحملُ من التعقيدات ما يبدو أكبر بكثير من أي محاولة لـ«تصفية النفوس». وعلمت «الأخبار» أنّ أوامر «شرعيّة» قد صدرت بالفعل عن قيادات «الحزب الإسلامي التركستاني» للعناصر على مختلف الجبهات بوجوب الاستعداد لـ«خوض معركة الدفاع عن الجهاد الشامي». وأوضحت مصادر «الأخبار» أنّ «القادة الشرعيين للتركستاني مقتنعون كليّاً بأنّ الحرب التي تخوضُها النصرة هي حرب ردّ البغي عن المشروع الجهادي في الشام»، وأنّ «هزيمة النصرة تعني التمهيد لزوال هذا المشروع». وحتى الآن، تعكس هذه «الخلاصة التركستانيّة» نجاحاً جزئيّاً لجهود أطلقها «شرعيّو جبهة النصرة» لاجتذاب «المهاجرين» إلى صف «النصرة»(راجع «الأخبار»، العدد 3402 ). ويواصل «الشرعيّون» مساعيهم أملاً في إقناع مزيد من المجموعات بتبنّي موقف شبيه لموقف «التركستاني»، غير أنّ فرص نجاحهم تبدو ضئيلة حتى الآن. ويعود ذلك إلى تجذّر العداء بين «النصرة» ومعظم المجموعات «القاعديّة» على خلفيّة ذهاب أبو محمد الجولاني بعيداً في التوافقات مع الأتراك، علاوةً على الإيعاز لجنوده باعتقال عشرات من رموز «القاعدة» وتقييد حركة آخرين، الأمر الذي بدا أشبه بانقلاب على التنظيم الأم («الأخبار» العدد 3336). وعلمت «الأخبار» أنّ اجتماعات مكثّفة قد عُقدت في خلال اليومين الماضيين بين مندوبين عن الجولاني ومندوبين عن «القاعديين»، أملاً في إقناع هؤلاء بـ«فتح صفحة جديدة»، وتقديم الدعم لـ«النصرة» ولو بشكل رمزي. وحتى الآن، لم يحصل مندوبو الجولاني على أكثر من وعود بالتزام الحياد، ودعم أي «محاولة صادقة لإيقاف المعارك»، من دون أن تُحدث فارقاً توجيهات زعيم تنظيم «القاعدة» لرجاله في سوريا قبل أيام بضرورة السعي إلى «نبذ الفرقة، وإصلاح البين». أما على المقلب الآخر، فقد نجحت «جبهة تحرير سوريا» حتى الآن في استقطاب تأييد مجموعتين عسكريتين مؤثّرتين، أولاهما «ألوية صقور الشام» بقيادة أبو عيسى الشيخ، و«جيش الأحرار» الذي هدّد بدوره «الحزب التركستاني» عبر بيانٍ نصح فيه «بعدم الخوض في دماء أهل الشام». كذلك، بدا لافتاً أنّ عدداً من «الرموزالجهاديّة» قد بدأ باستخدام لهجة حادّة لدى الحديث عن «التركستاني» وصلت حدّ تشبيهه بتنظيم «داعش»، ومن بين هؤلاء الكويتي علي العرجاني أحد شرعيي «النصرة» السابقين. وانخرط العرجاني إلى جانب عدد آخر من «الجهاديين» في حملة اتصالات مكثّفة مضادة لجهود «شرعيي» الجولاني الحاليين، تهدف إلى الحيلولة بين «المهاجرين» وبين وقوفهم إلى جانب «النصرة» في المعركة الحاليّة. وكان العرجاني قد أكّد قبل فترة لـ«الأخبار» أنّ «المهاجرين سينفضّون عن الجولاني قريباً».