ما زال دوي الصواريخ السورية في سماء الجليل، وإسقاط طائرة «إف 16»، يتفاعل في الداخل الإسرائيلي على المستويات السياسية والإعلامية والأمنية. وكما هو متوقع، يواصل المسؤولون الإسرائيليون رفع مستوى التهديدات باتجاه سوريا، بهدف احتواء مفاعيل الضربة التي تلقتها، في الرأي العام، وبهدف التأثير في قرار القيادة السورية التي تتخوف تل أبيب من أن تكون محطة إسقاط الطائرة بداية مرحلة جديدة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.
وعلى وقع الصدمة التي تلقاها صناع القرار السياسي والأمني، تواصلت المقاربات التي تولاها معلقون وخبراء، بدا أن هناك قلقاً فعلياً توغّل عميقاً في حساباتهم. ومن أبرز المفاهيم التي حضرت، تارة في طيات كلامهم وأخرى مباشرةً، قيود القوة الإسرائيلية. نتيجة ذلك، بات الإسرائيلي يدرك أنه حتى لو واصل اعتداءاته، فإن حساباته ما بعد 10 شباط ستختلف عمّا قبله. بل لم يعد بإمكانه الركون إلى السقف الذي قد تقدم عليه القيادة السورية في أي مرحلة لاحقة التي قد تفاجئه في محطة من محطات اعتداءاته، بما لم يكن يتوقعه. وبالتأكيد حضرت مروحة من السيناريوات التي لم يعد بإمكان الإسرائيلي استبعادها بالمطلق، في أي مواجهة لاحقة، خاصة أن عملية التصدي التي تحققت، تأتي ترجمة لقرار استراتيجي اتخذته القيادة السورية، بكسر المعادلة التي يهدف الإسرائيلي إلى تكريسها والارتقاء بها.
من أبرز التعليقات التي قاربت هذا الحدث الذي تحول إلى محطة يمكن التأسيس عليها، وعكس أيضاً الكثير من المقاربات الأخرى، ما اعتبرته صحيفة «هآرتس» في مقالتها الافتتاحية، أن ما جرى هو «درس في قيود القوة». ورأت الصحيفة أن «إسقاط طائرة إف – 16، في سماء الجليل، أكد أنه لا توجد حروب خالية من المخاطر، وأنه رغم الإصابات التي قد يتعرض لها عدو إسرائيل، يمكنه أن يتعافى ويجد نقطة ضعف حتى في سلاح الجو» الإسرائيلي. ولفتت إلى أن هناك مشكلة تواجهها إسرائيل تتصل «بتعريفها للأهداف الاستراتيجية وسبل تحقيقها». وتوقفت الصحيفة أيضاً، عند التهديدات التي توالت في الأيام السابقة على الحادثة واستعراض العضلات التي مارسها أعضاء المجلس الوزاري المصغر في الجولان، ورأت أنها كانت خطأً. وقدّرت أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان أدخلا نفسيهما «في الفخ» وقلّلا إلى حد كبير من حرية عمل الجيش الإسرائيلي.
وحذّرت الصحيفة من أن مواصلة إيران ترسيخ قوتها في سوريا، وهو التعبير الذي يستخدمونه في تل أبيب، في الإشارة إلى إعادة سوريا بناء وتطوير قدراتها كقوة رئيسية في محور المقاومة، فإن تل أبيب ستظهر ضعفها وسيزداد الضغط على الحكومة والجيش «للقيام بشيء ما». في المقابل، إذا سعت إسرائيل إلى حل عسكري لمآزقها الاستراتيجية، فإنها قد تتورط في حرب يصعب عليها الانتصار فيها.
وعلى هذه الخلفية، خلصت «هآرتس» إلى أنّ القوة العسكرية الإسرائيلية، لا تكفي لتشكيل الواقع في البلدان المجاورة، وهو ما فشلت فيه تل أبيب في الماضي عندما حاولت إنتاج «نظام جديد» حتى في لبنان الصغير. وبالتالي إن «قوتها صغيرة جداً» لتحديد النظام في سوريا، باستثناء الحفاظ على الهدوء النسبي على طول الحدود. أما بخصوص الدوافع الإسرائيلية لمواصلة الاعتداءات في الساحة السورية، فاعتبرت الصحيفة أنها حتى لو نجحت في تأخير وصول شحنات الأسلحة والمرافق، إلا أنها لن تمنع ازدياد قوة العدو.
وخلصت إلى أن «الدرس المستفاد من المواجهة في نهاية الأسبوع هو أنه بدلاً من وضع المزيد من الأهداف للتفجير، يجب على إسرائيل أن تستوعب عودة نظام (الرئيس بشار) الأسد إلى مكانة رائدة في سوريا برعاية إيران والرئيس الروسي فلاديمير بوتين»، وأن على إسرائيل اعتياد هذا الوضع وأن تجد طرقاً لمنع التصعيد واستعادة الردع المستقر حول «جدار البازلت» في مرتفعات الجولان. ويتعيّن على نتنياهو، الذي كثيراً ما يتحفظ من المغامرات العسكرية، أن يركز علاقاته الدبلوماسية ومهاراته لهذا الهدف».