تتحول مدينة البوكمال الحدودية إلى نقطة جديدة للتوتر بين روسيا والولايات المتحدة على الأرض السورية، نظراً إلى أنها آخر معاقل تنظيم «داعش» المهمة بين العراق وسوريا، ولأهميتها الاستراتجية في تحديد معالم المنطقة ما بعد أفول التنظيم. اليوم تدور معارك الجيش وحلفائه ضد «داعش» على أطراف المدينة، بعد انسحابهم من أحيائها تحت ضغط هجمات عنيفة.
ويحاول التنظيم جاهداً الحفاظ على سيطرته هناك، برغم القصف الكثيف الذي يستهدف مواقعه. وفي موازاة اتهام موسكو لقوات «التحالف الدولي» بمساعدة «داعش» في الشرق السوري، خرجت تصريحات لافتة أطلقها وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، حول مستقبل قوات بلاده على الأراضي السورية. إذ اعتبر في حديث للصحافيين في وزارة الدفاع، أن القوات «لن تنسحب الآن»، في انتظار «إحراز تقدم في عملية جنيف»، مشيراً إلى أن الانتصار على «داعش» سيتحقق «حينما يستطيع أبناء البلد، تولي أمره». وكان أبرز ما قاله ماتيس في هذا السياق، تلميحه إلى وجود «موافقة أممية» على وجود قوات «التحالف» في سوريا، ربطاً بـ«تفويضها» ملاحقة تنظيم «داعش» والقضاء عليه أينما وجد.

أكد الأسد أن التوجه
إلى إدلب يعقب معارك
دير الزور وحماة

وبينما أكدت دمشق مجدداً أنها تعدّ الوجود الأميركي على الأراضي السورية «احتلالاً موصوفاً»، شدد الرئيس بشار الأسد، أمام المشاركين في «الملتقى العربي لمواجهة الحلف الأميركي ــ الصهيوني ــ الرجعي ــ العربي؛ ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني» المنعقد في دمشق، على أن خروج القوات الأميركية من سوريا يكون «عبر تفاهم سياسي»، وإذا فشل هذا المسار، فسجري «مقاومتها» على الأرض. التصعيد السوري ضد واشنطن لم يكن وحيداً، فقد أشار الأسد في معرض ردّه على سؤال عن دور سوريا المحتمل في أي حرب إسرائيلية تستهدف المقاومة في لبنان، إلى أن «كل من يملك حداً أدنى من فهم الوقائع العسكرية... يعرف أن الجبهة مع العدو الإسرائيلي في سوريا ولبنان، أصبحت واحدة». ورفض التعليق على ما تشهده السعودية من أحداث أخيراً، مشيراً إلى أنه «لا يعلّق على تصرفات دول لا تملك قرارها المستقل». وفي الوقت نفسه شدد على أن تنظيم «الإخوان المسلمين» كان وما زال «رأس حربة ضد كل ما له علاقة بمصالح الشعب العربي وبالانتماء العربي». وتعليقاً على الوضع الميداني، أشار إلى أنه بعد القضاء على تنظيم «داعش» في دير الزور واستكمال المعارك الجارية في حماة سيكون التحرك الميداني «باتجاه إدلب».
ووصل التوتر الروسي ــ الأميركي إلى مستوىً جديد أمس. فبعد نحو أسبوع من دخول قوات الجيش والحلفاء، مدينة البوكمال، كشفت وزارة الدفاع الروسية معلومات عن مجريات المعارك والمساعدة التي قدمها «التحالف» للتنظيم. وأوضحت الوزارة أن «التحالف» رفض طلباً روسياً بشن «عملية مشتركة» تستهدف قوافل التنظيم التي انسحبت من المدينة نحو معبر وادي السبخة على الحدود مع العراق، شرق نهر الفرات، متذرعاً بأنّ هؤلاء «المسلحين استسلموا طوعاً» ويجب معاملتهم وفقاً لأحكام «اتفاقية جنيف» الخاصة بمعاملة أسرى الحرب. وقالت إن مسلحي التنظيم أعادوا ترتيب صفوفهم في مناطق يسيطر عليها «التحالف»، قبل شنهم هجمات على مواقع الجيش السوري في البوكمال. وأشارت إلى أن «التحالف» تدخل في المنطقة المحيطة بمدينة البوكمال (نطاق 15 كيلومتراً) التي اتُّفق على حظر عمل قواته الجوية في أجوائها، بالتنسيق مع مركز العمليات الجوية المشتركة؛ الموجود في قاعدة العديد الجوية في قطر. ومنعت طائرتان هجوميتان تتبعان له الطائرات الروسية من التحرك بما يتيح لها استهداف أرتال «داعش».
ورأت أن تصرفات «التحالف» تظهر أن هجوم الجيش السوري نحو البوكمال «عطّل خطط الولايات المتحدة لإنشاء سلطات مدعومة من قبلها، بهدف السيطرة على الضفة الشرقية لنهر الفرات». وأوضحت أن الخطة كانت تقضي بأن تكون «داعش» بمثابة «قوات محلية تدعمها الولايات المتحدة، تسيطر على المدينة، مشيرة إلى أن أعلام «قوات سوريا الديموقراطية» التي وجدت في المدينة تثبت ذلك. ومنذ بداية تحرك الجيش وحلفائه نحو البوكمال، حاولت واشنطن التفاوض مع العشائر المحلية، لضم أبنائها الموجودين في بلدات وادي الفرات إلى «فصائل محلية عربية»، بمن فيهم المنضوون ضمن صفوف «داعش»، بما يتيح لـ «التحالف» كسب تلك القرى من دون معارك. واستجلبت الاتهامات الروسية رداً استفزازياً من المتحدث باسم «التحالف» ريان ديلون، الذي قال في تعليقات لصحافيين أميركيين، إن «دقة بيان وزارة الدفاع الروسية يتطابق ودقة حملتها الجوية (في سوريا)... وأعتقد أن هذا سبب خروجهم بهذه الأكاذيب. إنهم يشهدون نكسات في الوقت الحالي».
(الأخبار)