يتعاظم الخلاف الروسي ــ الغربي حول ملف التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، مع كل جلسة أو موعد خاص بنقاش معطيات التحقيق ومساره المستقبلي. الجولة الأخيرة أتت بعد تقديم مشروع قرار روسي ــ إيراني داخل «منظمة حظر الأسلحة الكيميائية»، قال ديبلوماسيون غربيون أنه يطالب بتجميد التحقيق الأول الذي صدرت نتائجه مدينة للحكومة السورية، وإطلاق تحقيق جديد.
التوتر بين الطرفين قاد إلى حملة غربية حادة اللهجة تجاه موسكو في المنظمة، واتهمتها بإنكار الحقائق و«التواطؤ مع نظام (الرئيس بشار) الأسد». وإلى جانب الافتراق حول مصداقية نتائج التحقيق، يتخذ الخلاف طابعاً أوسع حول فرض النفوذ داخل المنظمة، لا سيما أن واشنطن استفادت منه خلال مواقف تاريخية عدة.
المفتشون التابعون للجنة التحقيق لا ينتمون بشكل مباشر إلى «منظمة حظر الأسلحة الكيميائية» بل إلى بلدانهم. المدير العام الأسبق للمنظمة الدولية، البرازيلي اللبناني الأصل جوزيه البستاني، خاض صراعاً في صحراء المنظمات الدولية التي بات يحكمها الغربيون، وخاصة الأميركيين، إذ تمكن هؤلاء من إزاحته من منصبه في عام 2002، لمجرد التدخل في قضية «أسلحة الدمار الشامل في العراق»، عبر محاولته فرض مراقبة مهنية ومحايدة في عمليات التفتيش، التي تولّتها في النهاية فرقٌ قادتها المخابرات الغربية. ويوضح البستاني في حديث إلى «الأخبار» أن المنظمة لديها «211 خبيراً، تُدفع رواتبهم لكي يعملوا باستقلالية بعيداً عن قرار دولهم». ويضيف أن «الأميركيين كانوا قد أعادوا هيكلة المنظمة، لتكون قادرة على العمل ضمن دائرة أهدافهم، في العراق بالأمس. وهم في سوريا اليوم، يحاولون تكرار تجربة فريق (يونسكوم) في العراق»، والتي كانت تعجّ بضباط المخابرات العسكرية الأميركية.

هناك شكوك حول مصير المخزون الكيميائي الذي أعلنت المنظمة تدميره

ويضيف البستاني القول: «بعد خروجي من المنظمة عام 2002، استعادوا نظام العقود في الأمم المتحدة. وأصبح لكل دولة خبراؤها الذين يعملون من خارجها، كموظفين لدى حكوماتهم»، معتبراً أنه « ينبغي أن يعمل الخبير أوالمفتش لمصلحة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وليس لمصالح بلده. وطالما استمر الوضع الحالي، لن تكون لتقاريرهم أيّ مصداقية». ويقول البستاني إن «الروس يصرّون على تثبيت قواعد جديدة في عمل المنظمة انطلاقاً من سوريا، لأنهم يريدون العودة إلى العمل داخل المنظمة التي يسيطر عليها الأميركيون».
وأفشلت روسيا المحاولات الماضية لفرض «يونسكوم» جديدة في سوريا، معتمدة على أن محققي اللجنة لم يزوروا سوريا رغم عروض بتسهيل مهمتها. كذلك فإنهم لم يرفعوا عيّنة واحدة بأنفسهم، وفق ما يقضي بذلك البروتوكول الخاص بعمل الخبراء، بهدف الحفاظ على «نظافة» العيّنات. واكتفت اللجنة بتلقّي عيّنات «بالبريد» من المجموعات المسلحة أو من «الخوذ البيضاء» وبعض المشافي التركية. ومع ذلك، خلصت إلى إعداد تقرير يقول إن طائرة «سوخوي» سورية انطلقت من قاعدة الشعيرات في حمص، ونفّذت قصفاً على بلدة خان شيخون في الرابع من نيسان الماضي. ويرى البستاني أنه «لا يمكن الجزم، على ضوء العناصر المتوافرة، حول ما إذا كانت الأسلحة الكيميائية بالمعنى الحقيقي قد استخدمت، أم أن مواد كيميائية قد ألقيت على مجموعة سكانية في أمكنة محددة؛ كما جرى في قطار أنفاق طوكيو عام 1995». ومن البديهي أن يكون الملف الكيميائي واحداً من الأوراق الاحتياطية التي عمل الغربيون ــ عبر الأمم المتحدة ــ على إعدادها، لوضعها على طاولة المفاوضات المقبلة، ومواصلة الضغط على موسكو ودمشق وطهران للحصول على تنازلات سياسية.
ولا يزال الإعلام الغربي يهرف بما لا يعرف في الملف الكيميائي السوري، إذ تشير تقاريره، كما التقارير التي قدمها خبراء لجنة الأمم المتحدة، إلى أن دمشق تملك أسلحة كيميائية، فيما كانت «منظمة حظر الأسلحة الكيميائية» قد أعلنت مراراً أنها انتهت من تدمير المخزون الكيميائي السوري. ولدى البستاني شكوك كبيرة بشأن كيفية تنفيذ عملية التدمير تلك، و«الاستعجال» بإعلان إنهائها، ثم اتهام دمشق مجدداً بحيازة أسلحة أخرى. ويتساءل عن «إمكانية تدمير هذا المخزون (كما قال من أشرف على العملية) على ظهر باخرة في البحر المتوسط، بينما تنص المعاهدة على تدميرها على أرض البلد نفسه»، مضيفاً أن «الروس والأميركيين لم يتوصلوا إلى تدمير مخزونهم، وفق المقرر منذ خمسة أعوام، بسبب تعقيدات العملية وكلفتها العالية وحاجتها إلى منشآت خاصة (غير متوافرة في سوريا). ويوضح أنه «لا أحد يعرف أين ذهبت تلك الأسلحة، وهل أن تدميرها في المتوسط لن يؤدي إلى تلوّث بيئي خطير».