قبل ما يزيد على الشهرين، وبالتوازي مع زيارة كبار مسؤولي «التحالف الدولي» العسكريين لمدينة الطبقة، خرج المتحدث باسم «التحالف» ريان ديلون، ليوضح أن أي عملية مرتقبة باتجاه مناطق دير الزور، هي رهن بنهاية معركة الرقة من جهة، وبـ«أهداف تحركات القوات الحكومية السورية هناك خلال الفترة المقبلة».
اليوم، وصلنا إلى تلك النقطة التي تتنافس فيها عمليتان عسكريتان لكل من دمشق وواشنطن، بهدف السيطرة على مناطق وادي الفرات الأوسط، الممتد بين ريف الرقة الجنوبي ومدينة البوكمال الحدودية مع العراق. تحرك «التحالف» الذي انطلق أول من أمس تحت اسم «عاصفة الجزيرة» لم ينتظر نهاية معركته في الرقة، وذلك لتعويض التقدم السريع الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه عبر كسر الحصار عن المدينة والمطار على مرحلتين. ومن المؤكد أن سرعة نجاح العمليات التي أطلقها الجيش انطلاقاً من السخنة، كانت العامل الأهم في استعجال عمليات «التحالف» التي يقودها «مجلس دير الزور العسكري» المنضوي ضمن «قوات سوريا الديموقراطية». ومع كسب الجيش مدينة دير الزور، تبدو المدن والبلدات الممتدة شرقاً نحو الحدود العراقية ــ بما يحويه محيطها من آبار نفط استراتيجية ــ هدفاً متقاطعاً لكل من دمشق وواشنطن.

تقدم «التحالف» يمنع عبور «داعش» الفرات من محيط معدان

ومع التطورات الميدانية التي شهدها اليومان الفائتان، وصل التنافس على النفوذ في الشرق مرحلة جديدة. فبينما كسرت قوات الجيش حصار المطار وأمّنت محيطه؛ وسيطرت على كامل الطريق الرئيسي الواصل بين السخنة ــ دير الزور، وصلت «قوات سوريا الديموقراطية» إلى المدينة الصناعية، لتصبح على بعد 12 كيلومتراً من أطراف مدينة دير الزور الشمالية. التقدم الأخير للجيش وحلفائه، له جوانب تتعدى بعده الميداني، فإعادة افتتاح طريق دمشق ــ دير الزور لها رمزية خاصة، لكون المدينة كانت ولا تزال مفتاح السيطرة على الشرق؛ والجسر الأهم نحو مناطق الجزيرة والعراق. كما أن كسر حصار المطار واستعادة جبل الثردة، يشكّلان ــ في سياق التنافس الميداني مع واشنطن وحلفائها ــ إنجازاً مهماً، لأن حصار المطار وخسارة نقاط الجيش في الجبل أتيا عبر غارات أميركية مهّدت الطريق لتنظيم «داعش»، قبل نحو عام من اليوم. وشهد أمس تقدماً نوعياً لقوات الجيش التي وصلت إلى منطقة البانوراما وأتمت السيطرة على كامل نقاط الطريق بين الشولا ودير الزور، قبل أن تعمل على تأمين الطوق الجنوبي للمطار العسكري عبر السيطرة على جبال الثردة، بما يتيح عودة المطار إلى العمل في وقت قريب. وجاء التقدم إلى الثردة بعد استعادة حقل التيم النفطي والنقاط المحيطة به، بالتوازي مع فتح الطريق بين أحياء المدينة الغربية والمطار عبر منطقة المقابر، وتوسيع أمانها بالسيطرة على سريتي جنيد والحرس الجمهوري ومنطقة المعامل وشركة الكهرباء. وهو ما سمح بوصول أولى قوافل المساعدات إلى الأهالي في الأحياء الشرقية التي كانت محاصرة، وفي قرية الجفرة.
وعلى الضفة الشمالية للنهر، تحركت «قوات سوريا الديموقراطية» من محيط منطقة حقل المالحة في ريف دير الزور الشمالي، نحو الجنوب، لتصل أمس إلى المنطقة الصناعية التي تبعد نحو 12 كيلومتراً عن مدينة دير الزور. ويمكن ردّ التقدم السريع للقوات على هذا المحور، إلى خلوّه من التجمعات السكنية والتضاريس التي يستطيع «داعش» استخدامها لتعزيز دفاعاته. وبوجود تغطية من طائرات «التحالف» للتحرك، استطاعت «قسد» السيطرة على مساحة تقدر بنحو 250 كيلومتراً مربعاً، وفق أرقام رسمية أعلنها «التحالف».
في موازاة ذلك، لم تشهد جبهة وادي نهر الخابور أي تحرك مماثل من قبل «قسد». وهو ما يعكس الأولويات الحالية لتلك العملية التي يديرها «التحالف» وعينه على قوات الجيش السوري التي وصلت إلى الدير. فالمحور الذي اختاره «التحالف» للتحرك (بين حقل المالحة والمدينة الصناعية) يوفّر له مكاسب تكتيكية مهمة. فهو يقطع الطريق أمام احتمال انسحاب «داعش» من ريف دير الزور الغربي وريف الرقة الجنوبي في محيط معدان نحو الضفة الشرقية (الشمالية) لنهر الفرات، في حال كثف الجيش السوري ضغطه على تلك الجبهات بعد إتمامه فك الحصار عن المدينة والمطار.
كذلك، فإن السيطرة على المدينة الصناعية تتيح التحكم بعقدة طرقية مهمة، تربط دير الزور بمنطقة الجزيرة من جهة، وبالطريق الرئيسي الممتد جنوباً على الضفة الشمالية للفرات. ويعد التقدم على هذا الطريق جنوباً مهمة أسهل بكثير من التقدم على الضفة الجنوبية، بسبب الفرق الكبير في حجم وكثافة التجمعات السكنية بين الضفتين، إذ إن جميع المدن والنواحي في محيط وادي النهر تقع على الضفة الجنوبية. وسوف يفوّت إحكام «قسد» السيطرة على الضفة الشمالية المقابل لمدينة دير الزور، الفرصة أمام الجيش لعبور النهر ومحاولة التقدم جنوباً لحصار معاقل «داعش» هناك. كما أنه سيفتح المجال أمام تدخل طائرات «التحالف» ضد الجيش وحلفائه، في أي تحرك مستقبلي عبر النهر، بحجة حماية الشركاء على الأرض، في تكرار لسيناريو ريف الرقة الجنوبي في محيط الرصافة. وهو ما يتفق مع ما أكده مراراً عدد من قياديي «قسد»، نقلاً عن مسؤولي «التحالف»، عن تعهد الأخير بمنع قوات الجيش السوري من عبور الفرات.
(الأخبار)