منذ سنوات، تكابد دير الزور الحياة. داخل سجن كبير في الشرق السوري، يتنقّل عشرات الآلاف المدنيين في كيلومترات مربّعة معدودة. مدينة على الفرات لا تنهل منه سوى رائحة الموتى. لو «داعش» يملك القدرة لَمَنع الهواء عنهم أيضاً.سؤال «متى تسقط الدير» بقي على الألسن في منطقة مرّ عليها «فتح» الموصل القريبة، وتجاور «عاصمة الخلافة» الرقة، وبين ظهرانيها «أحصنة» التنظيم الإرهابي البشرية والحربية على طول نهر الفرات والبادية وصلاً إلى العراق.

نقطة «مضيئة» على الخرائط بين سواد متوغّل كان ينتشر كالطاعون ويُبعد «المَصل» أكثر؛ تدمر مثلاً ــ رأس حربة طريق التحرير ــ سقطت مرتين. عانى الجيش السوري في حلب وإدلب ودرعا وحماة وريف دمشق قبل أن يُرمّم «خارطته». النجاح تلوَ الآخر تحقّق، من حلب التي قلبت المعادلة إلى معركة البادية اليوم.
«كان المطلوب من الشباب أن يصمدوا في الدير» يقول قائد ميداني لـ«الأخبار»، ويتابع «ما فعلوه يفوق الوصف، فمنذ أكثر من سنة كان احتمال التوجه لفك الحصار كبير، لكن تأجلّ الموعد وتحمّلوا ضغط الدواعش المركز والمستمرّ».

فك الحصار يعني تطويق «داعش» في الريف الغربي على طول سرير نهر الفرات

اليوم، أضحى موعد كسر الحصار يقاس بالكيلومترات والساعات، إذ تسارعت عمليات الجيش السوري على نحو لافت أمس، على المحاور الموصلة إلى مدينة دير الزور، لتصبح المسافة التي تفصل القوات المتقدمة عن تلك المرابطة ضمن «اللواء 137»، قرابة 10 كيلومترات. ومن المنتظر أن تشهد الساعات المقبلة وصول طلائع الجيش لفك الحصار عن المدينة، والتمهيد لخوض المعارك ضمن معقل «داعش» الأخير في سوريا، على طول وادي الفرات.
التقدم السريع للجيش جاء عقب سيطرته على جبل البشري الاستراتيجي، الذي يقع على مثلث الحدود الإدارية بين حمص والرقة ودير الزور. وأطلق سقوط الجبل بيد الجيش بداية انهيارات متتالية للتنظيم في ريف دير الزور الغربي، ما أفسح المجال لقوات الجيش التقدم لمسافات طويلة، لتصل أمس إلى حقل الخراطة النفطي، وتتجاوزه بأكثر من 5 كيلومترات بعد السيطرة على حقل «غاز (الشركة) الفرنسية». وسيطر الجيش خلال التحرك، أمس، على جبل النظيرات وجبل النومان وجبل أدمة، وتقدم في محور آخر نحو بلدة الشولا جنوبي دير الزور. وأتاح ذلك لوحدات الجيش خيار التقدم المباشر باتجاه «اللواء 137» غرب المدينة والالتقاء بالقوات هناك، ما يعني إطباق الحصار على كامل الريف الغربي لدير الزور، إلى جانب إمكانية التحرّك من حقل الخراطة باتجاه الريف الغربي، للالتقاء بالقوات المتقدّمة من معدان. في موازاة ذلك، نجح الجيش وحلفاؤه في التقدم على طريق السخنة ــ دير الزور، ليصبحوا على مشارف بلدة كباجب. ومن المتوقع أن تتحرك تلك القوات لملاقاة نظيرتها المتقدمة نحو الشولا، آخر البلدات على طريق الدير الصحراوي.
من جانبه، أكد مصدر عسكري من داخل دير الزور لـ«الأخبار» أن «ساعات الفرج اقتربت على المدينة، وفك الحصار بات قريباً جداً. ولن يستغرق أكثر من 48 ساعة لتحقيق الالتقاء بالقوات المحاصرة في المدينة نتيجة الانهيارات المفاجئة للتنظيم بسبب القوة النارية الكبيرة للجيش». وأضاف أن «فك الحصار عن المدينة له أهمية استراتيجية، تتركّز في تطويق (داعش) في كامل الريف الغربي على طول سرير نهر الفرات، من معدان، وصولاً إلى عياش». وأشار إلى أن «القوات سوف تتّجه بعد إنجاز فك الحصار، نحو تلك الموجودة على مشارف معدان، للقضاء على التنظيم في كامل الريف الغربي، أو إجباره على الانسحاب عبر نهر الفرات إلى الضفة الشرقية، وهو ما يعتبر انتحاراً».

ويبدو واضحاً من تسارع عمليات الجيش نحو دير الزور أن إنهاء التنظيم في معقله الأخير ضمن سوريا بات أمراً قريباً، ليوضع (داعش) أمام خيار القتال حتى آخر عنصر أو الفرار باتجاه العراق. وفي مقابل معارك الجيش لإنهاء التنظيم في محيط دير الزور، قد يخرج تحرك أميركي فاعل لخوض المعارك النهائية ضد التنظيم في العراق. كذلك قد يشهد الريف الشمالي لدير الزور عمليات تطلقها «قوات سوريا الديموقراطية» بغطاء ومشاركة «التحالف الدولي» الأميركي. وفي السياق، يوضح مصدر عسكري متابع لعمليات الجيش على محور السخنة ــ دير الزور، في حديثه إلى «الأخبار» أن «القوات المتقدمة من محور السخنة، سوف تعمل على توسيع سيطرتها على امتداد الطريق، لتأمينه وتقليص المسافة باتجاه الشرق».

سوف يستفيد الجيش من القوى البشرية الموجودة في المدينة والتي تزيد على 5 الاف مقاتل
ولفت إلى أنه «بعد الوصول إلى المدينة، سوف تعمل القوات على التوجه نحو الريف الشرقي بالتزامن مع تقدم محور حميمية، بهدف التضييق على التنظيم في الريف الشرقي لدير الزور، والقضاء عليه هناك». ويؤكد مصدر ميداني آخر أن «الجدول الزمني لإنهاء تنظيم (داعش) في سوريا لن يزيد على الشهرين. وسوف تتكامل المحاور العسكرية حتى إنهاء (داعش) في كامل جغرافية المحافظة، وصولاً إلى الحدود العراقية».
وما يرجّح فرضية حسم معركة دير الزور لمصلحة الجيش، هو تأكيد مصادر عدة متطابقة أن الجيش ــ بعد فك الحصار عن المدينة ــ سوف يستفيد من القوى البشرية الموجودة في المدينة والتي تزيد على 5 آلاف مقاتل، ومن خبرتها الميدانية، وهو ما سيمنحه زخماً إضافياً يجعل من القضاء على التنظيم في عموم المحافظة سريعاً. كما أن «التحالف»، برغم تصريحاته عن تزامن معارك وادي الفرات بين سوريا والعراق وتصريحات «مجلس دير الزور العسكري» بقرب معركة الدير، إلا أن التحضيرات بطيئة في ظل انشغال «قسد» في معركة الرقة التي قد تحتاج إلى شهرين لإنهائها. وهو ما قد يجعل ذهاب تلك القوات نحو مدينة دير الزور خياراً غير واقعي لتتوجه عوضاً عن ذلك ــ ربما ــ نحو ريف الحسكة الجنوبي وريف دير الزور الشمالي.




10 آلاف نازح من مناطق سيطرة «داعش»!

دفع التقدم الكبير والسريع لوحدات الجيش في دير الزور بالأهالي إلى التمرد على قرارات «داعش»، الذي لم تعد قبضته محكمة عليهم كما في السابق، إذ هاجم أهالي بلدة الشحيل مقارّ التنظيم لتحرير عدد من الشبان ممن اعتقلهم التنظيم لسوقهم رغماً عنهم إلى جبهات القتال. كذلك مزّق عدد من الأهالي أحد الإعلانات الطرقية التي يدعو فيها التنظيم إلى إرسال الشباب للقتال في مدينة الميادين.
يأتي ذلك في وقت فر فيه آلاف من الشبان وعائلاتهم باتجاه محافظة الحسكة، رفضاً لقرار التجنيد الإجباري الذي أصدره التنظيم، حيث وصل أكثر من عشرة آلاف، معظمهم من الشبان، إلى مخيم العريشة في ريف الحسكة الجنوبي الذي تشرف عليه «الإدارة الذاتية» الكردية.