ليس من المبالغة القول إن المرحلة التي تمر بها مدينة حلب تبدو مفصليةً على صعيد الحرب السورية. فالخرق الذي تمكنت المجموعات المسلّحة من تحقيقه أمس، عبر السيطرة على مبنى البحوث العلمية يجعل مصير السيطرة على الأحياء الغربية من المدينة مفتوحاً على كل الاحتمالات. ومن شأن تمكن المجموعات من تحقيق سيطرة مستقرّة على «البحوث» واستخدام المبنى منطلقا لعمليات جديدة تستهدف الأحياء السكنيّة أن ينقل المعارك إلى مرحلة حرب الشوارع التي تعني تحييد سلاح الطيران على نحو شبه مُطلق.
ومن المستغرب أنّ الطيران تأخّر في دخول المعركة والتصدي للهجوم الذي استهدف المبنى، حيث نشرت مواقع معارضة مقاطع مصوّرة تظهر فيها دبابات «حركة نور الدين زنكي» عند أسوار المبنى، محاطةً بمسلّحي «الحركة» من دون تعرّضها لأي استهداف. وخلافاً للمعارك التي استعرت أول من أمس على جبهات الليرمون وجميعة الزهراء والخالدية، كانت معركة أمس سريعة وخاطفة. «الزنكيون» كانوا رأس حربة الهجوم الذي بدأ قرابة الساعة الواحدة ظهراً، تحت راية «غرفة فتح حلب». ولم ترشح معلومات عن طبيعة التنسيق بين «الغرفة» و«غرفة أنصار الشريعة» التي أطلقتها يوم الخميس «جبهة النصرة» بالشراكة مع مجموعات «جهادية» أخرى، وشنت سريعاً هجمات على محاور عدّة، لم تحقق نتائج حاسمة خلافاً لمعركة «البحوث». وبرغم أن «الحركة» أعلنت «تحرير مبنى البحوث بالكامل»، غير أن مصادر ميدانية سوريّة أكّدت لـ«الأخبار» أن «المعارك ما زالت مستعرة داخل أسوار المبنى، وسط إصرار الجيش والقوات الرديفة على دحر المهاجمين». بدوره، مصدر مرتبط بـ«حركة الزنكي» قال لـ«الأخبار» إنّ «المعركة كانت مدروسة، وحققت الأهداف المرسومة لها بدقّة. مبنى البحوث محرر بالكامل».

برغم خطورة الخرق
لكنه لا يعني أن الأمور خرجت
عن السيطرة


المصدر أكّد أنّ «هذه هي البداية فحسب، وخلال اليومين المقبلين سيجري تحرير حلب بأكملها». في المقابل قال مصدر عسكري سوري لـ«الأخبار» إنّ «الخرق الذي حصل، ورغم خطورته لكنه لا يعني أن الأمور خرجت عن السيطرة». المصدر الميداني أكّد أن «هذه المعركة ستعود على الإرهابيين بنتائج معاكسة، والقول الفصل سيكون لأبطال الجيش».
ومن المؤكد أن المعارك ما زالت محصورة داخل أسوار البحوث، حتى التاسعة من ليل أمس، بمشاركة فاعلة (وإن كانت متأخرة) من الطيران. وتكمن أهمية المبنى في أنّه يعدّ فعليّاً خط دفاع شبه وحيد عن الأحياء الغربية عبر هذا المحور، وتفصل المبنى عن الأحياء السكنية في حلب الجديدة أرضٌ مكشوفة، يليها «دوّار السلام» ثم جمعية البحوث العلمية السكنية. وبرغم تلويح أوساط المجموعات المسلحة بتكرار سيناريو إدلب في حلب، غير أنّ الحالتين تبدوان مختلفتين حتى الآن. فخلافاً لما كان عليه الحال في إدلب يحتفظ الجيش السوري بسيطرته على مساحات واسعة من الريف الجنوبي على وجه الخصوص. ما يعني أن خطوط الإمداد إلى المدينة ما زالت مفتوحة، علاوة على وجود مجموعات مقاتلة نخبوية في حلب. واذا تمكن الجيش من حصر الاشتباكات في محيطها الحالي، ومن ثم استعادة ما خسره والتمترس مجدداً فستكون المدينة قد تجاوزت منعطفاً هو الأخطر الذي تمرّ به حتى الآن. في الوقت نفسه، سيكون من شأن تمكن المجموعات من تحقيق تقدم إضافي سريع في معارك الليلة التمهيد لتهاوٍ سريع لمعظم الأحياء الغربية. مع احتمال تكرار سيناريو حصار مشفى جسر الشغور في مواقع عدّة داخل حلب، وخاصة في ظل إمكانية استقدام تعزيزات إضافية للمسلحين عبر الريفين الشمالي والغربي.
وكانت عودة «جبهة النصرة» وحلفائها من «الجهاديين» إلى أجواء المعارك في حلب قد منحت المسلحين زخماً إضافيّاً، ولا سيّما في ظل سيطرة «النصرة» وحلفائها على مدينة إدلب المجاورة، وعلى أجزاء واسعة من الريف الغربي لحلب. وكانت «النصرة» و«جبهة أنصار الدين» (ومعظم مقاتليها من الشيشان) قد فتحتا معارك عنيفة على محور الزهراء ومحيط مبنى المخابرات الجوية، الأمر الذي يرجح أنه مثّل عامل إلهاء ناجح للجيش السوري، ومهّد لشن «غرفة فتح حلب» هجماتها المفاجئة في منطقة البحوث. وردّ الجيش السوري بقصف جوي ومدفعي وصاروخي كثيف، فيما بدا لافتاً أنّ هجمات «أنصار الشريعة» اتسمت بكثافة نارية بمختلف الأسلحة، تتجاوز هجمات مماثلة سابقة.
وعلى صعيد يبدو متصلاً، أعلنت «المؤسسة الأمنية للجبهة الشامية» أمس إلغاء جميع حواجزها الأمنية في الريف الشمالي لحلب. وقالت «المؤسسة» في بيان لها إنّها «وضعت جميع عناصرها الأمنيين في الريف الشمالي تحت تصرف القيادة العسكرية لحين صدور قرار يُبنى على الظروف العسكرية للمنطقة».




موسكو: لتوحّد المعارضة والأكراد مع الجيش ضد «داعش»

أوضحت موسكو أنّ مبادرتها بشأن تشكيل تحالف لمكافحة «داعش» تخصّ جميع دول الإقليم، بما فيها سوريا جيشاً ومعارضة مسلحة، إضافة إلى الأكراد. وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف: «اقترح الرئيس الروسي على جميع دول المنطقة توحيد جهودها. وهذا يخص سوريا أيضاً، والجيش السوري والمعارضة السورية، بما في ذلك المعارضة المسلحة التي تدعو إلى الحفاظ على سوريا دولة موحدة ذات سيادة وبطابع علماني دون أي مظاهر تطرف تضمن حقوقاً متساوية لمختلف المكونات الإثنية والطائفية». وأضاف أن هذه المبادرة تخص أكراد سوريا أيضاً، ودولاً أخرى بما فيها العراق وإيران وتركيا والسعودية. وأكد أن روسيا لا تحاول فرض مشاريع على أحد، لكنها ترى أن الخلافات والتناقضات الموجودة بين دول المنطقة تصرف اهتمامها عن المهمة الرئيسية المتمثلة في محاربة الإرهاب.