موسكو | تكرّر التوصل إلى اتفاقات بشأن مدينة حلب بين الجانبين الروسي والأميركي لم ترَ نور التطبيق، فهل اتفاق اليوم مختلف عمّا قبله؟ منذ نهاية العام الماضي والمساعي مستمرة بين فريقي التفاوض من دبلوماسيين وخبراء عسكريين للجانبين، كان أبرزها في جنيف بين 9 و10 تشرين الثاني، وآخرها في 2 كانون الأول الجاري.
وكانت النتيجة تراجع الولايات المتحدة عن تعهداتها بتطبيق اتفاق يخرج مسلحي «جبهة النصرة» أولاً، مع فصل من تعدّهم واشنطن «معارضة مسلحة معتدلة» عن التنظيم الإرهابي الآنف الذكر. وكادت الأمور تصل إلى خواتيمها في الجولة الأخيرة، قبل أن تعود الولايات المتحدة مرة أخرى وتسحب قبولها بالاتفاق، لدراسته بعد التطورات الميدانية الدراماتيكية لمصلحة الجيش السوري وحلفائه في حلب. وبينما تأرجحت الديبلوماسية الأميركية بين القبول والعودة عنه، نجحت نظيرتها الروسية في مسار آخر مع تركيا التي شاركت في مفاوضات مع موسكو نيابة عن قادة مجموعات مسلحة يدينون بالولاء لها. وأدت تلك المباحثات إلى التوصل إلى مشروع اتفاق لخروج معظم المسلحين من حلب.

أما الإرادة الأميركية التي عبّرت عنها مبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الرامية إلى فرض إدارة محلية للمسلحين في حلب وإخراج صوريّ استعراضي لـ900 منهم فقط، فباتت أقرب إلى الخيال غير المرتبط بأي واقع ميداني، فاليوم المشهد يرسمه الجيش السوري وحلفاؤه.
وكالعادة، جاء اتصال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بنظيره الروسي سيرغي لافروف، ليطلب استئناف التفاوض للتوصل إلى صيغة اتفاق. وبرغم الرد الروسي الإيجابي، أشارت تصريحات لافروف إلى نيّة واشنطن لإنقاذ «جبهة النصرة» من الطوق المحكم حول عنقها في حلب! فمشكلة المسلحين الآخرين وجدت لها حلاً روسياً ــ تركياً، أخرجهم من المدينة بعد إيجاد شرخ قسم صفوف «جيش الفتح»، إذ أسهمت أنقرة في سحب المسلحين الأكثر ولاءً لبابها العالي، ما يعني أن الولايات المتحدة إن بقيت متمسكة بالدفاع عن الباقين ــ الأكثر تشدداً ــ في جنوب حلب فإنها متمسكة قطعاً بإنقاذ «النصرة» المصنفة إرهابية بحسب مقررات مجلس الأمن الدولي.

باتت مبادرة
دي ميستورا غير واقعية والمشهد يرسمه الجيش

المشكلة الكبرى التي تواجه الجيش السوري وحلفاءه في تحرير ما بقي من أحياء المدينة، بحسب خبراء مطلعين روس، هي وجود خبراء غربيين أميركيين وفرنسيين وبريطانيين وألمان، يساعدون المجموعات في التخطيط والاتصالات ويقدمون الخبرة والمعلومات الميدانية لهم. هذا يجعل قرار إخراجهم من حلب عن بكرة أبيهم بيد الولايات المتحدة التي لا تزال تحاول الالتفاف على كل اتفاقياتها مع الروس لإخراج «جبهة النصرة» من قائمة التنظيمات الإرهابية وإدخالها في العملية السياسية التفاوضية حول مستقبل سوريا، تارة عبر تغيير تسميتها ومشهد فك ارتباطها الدرامي بتنظيم القاعدة!
ومن خلال معطيات مصادر مطلعة على تحضيرات الفريقين العسكريين الدبلوماسيين الروسي والأميركي في جنيف، لجولة مفاوضات اليوم، يظهر التخبط وعدم الوضوح لدى الجانب الأميركي. فواشنطن في وضع صعب تفاوضياً وميدانياً في حلب، وهي أمام مرحلة الفرصة الأخيرة.
الخيار لإدارة أوباما التي تستعد للرحيل. هل ترغب في تقديم إنجاز يسهّل عمل الرئيس المنتخب ترامب، وفي الوقت نفسه تعطي انطباعاً إيجابياً بإنجاز اتفاق مع روسيا يمكن تطبيقه على أرض الواقع في حلب؟ الإجابة قبل نهاية العام الحالي... مع بقاء الميدان سيداً للموقف.