لم تكتفِ إسرائيل باستهداف المجموعة التي أطلقت النيران باتجاه قوة من لواء «غولاني» في الجولان المحتل، بل بادرت إلى توجيه ضربة موضعية لأحد مواقع «داعش» بعشرة أطنان من المتفجرات، في خطوة بدا فيها مرتفعاً منسوب الاستعراض والرسائل السياسية والردعية. وأدى القصف إلى تدمير الموقع، الذي كانت تستخدمه في السابق الأمم المتحدة، ثم صارت «داعش» تستخدمه «للتدريب وتخزين الأسلحة».
أتت الضربة الإسرائيلية، التالية، ترجمة عملية لموقف رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، خلال جلسة للحكومة، حينما نقال: «لن نسمح لداعش بتثبيت قواعده على حدودنا»، وهو ما أكده الجيش في بيانه بأن الضربة استمرار للقصف الذي نفذه قبل ذلك، وتهدف إلى منع عودة عناصر «داعش» إلى الموقع. مع ذلك، بدا واضحاً أن الضربة كانت موضعية ومحدودة، وتقتصر على الموقع الأقرب إلى النقاط الإسرائيلية، الذي وصفه الجيش بأنه «تهديد جوهري للمنطقة»، فيما لم يرَ في بقية المواقع الداعشية أي تهديد وتجنب استهدافها، مع أنها تقع تحت مرمى نيرانه.

الاستخبارات الإسرائيلية: ضعف «داعش»
يخدم حزب الله وإيران

يعكس اكتفاء صانع القرار السياسي والأمني في تل أبيب باستهداف هذا الموقع، أنه لم يتخذ أي قرار بتغيير السياسة العملانية التي تتصل بالساحة السورية عامة، والجنوبية خاصة، وكذلك استمرار تبنيه الرؤية والتقدير الذي يرى أنه لا يزال هناك ضرورة للدور الوظيفي لـ«داعش» في سوريا، وهو ما عبّر عنه من جديد رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء، هرتسي هليفي، ونقلته صحيفة «هآرتس» أمس. وقال هليفي خلال اجتماع مغلق في جامعة تل أبيب، إنه في حال «ضعف تنظيم داعش، فإن إيران وحزب الله سيتمتعان بالتفوق في سوريا، وهذا لن يكون جيداً لإسرائيل»، وهو موقف يتلو موقفاً مشابهاً أدلى به في حزيران الماضي أمام مؤتمر «هرتسيلياه».
أما عن الأطنان العشرة، فبدا واضحاً ــ منذ اللحظة التي خرجت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية بإعلان الجيش استهداف الموقع بهذا الكمّ من المتفجرات مع أنه كان فارغاً من العناصر ــ أن الاستعراض أحد أهم أهداف هذه الضربة، وإلا فإن موقعاً بهذه الحالة لا يحتاج إلى هذه الكمية. كذلك إن حرص جيش العدو على أن يخرج الإعلام الإسرائيلي بعنوان «عشرة أطنان من القذائف» على موقع «داعش»، مؤشر قوي على هذه الدلالة.
مع ذلك، كان للاستعراض رسائل تتصل بأكثر من ساحة وجهة، فقد أراد الإسرائيلي أن يعزز قدرة ردعه إزاء «داعش» حتى لا يجرؤ عناصره في المرة التالية على تكرار استسهال توجيه نيرانهم باتجاه قوة إسرائيلية، أكان ذلك ترجمة لتوجيهات قيادية تهدف إلى التغطية على الهزائم التي يتلقاها التنظيم في سوريا والعراق، أم لتبييض صفحته، أم حتى اجتهاداً ذاتياً من مجموعة ما، خاصة أن إسرائيل تدرك مسبقاً أنه ليس لها موقع في سلم أولويات «داعش»، التي توجه نيرانها نحو المدنيين في البلاد العربية والإسلامية.
أيضاً، هدفت تل أبيب إلى توجيه رسالة الردع نفسها إلى الأطراف الموجودة على الساحة السورية، ومفادها أنها سترد بهذا المستوى من الشدة في حال تعرضها لأي من الهجمات عبر أي طرف. مع ذلك، إن استهداف موقع لـ«داعش» بـ«عشرة أطنان» من المتفجرات يصلح عنواناً مدوياً في الصحافة العالمية والغربية، كي تقدم إسرائيل نفسها على أنها طرف رئيسي في مكافحة الإرهاب الذي يضرب أوروبا والعالم، وبذلك، تكون قد وفرت صورة إعلامية تخدم سياسة الترويج التي يركز عليها نتنياهو في خطاباته.
في المقابل، جاء لافتاً تعدّد التقديرات والتساؤلات التي وردت في محاولة عدد من المعلقين في إسرائيل تفسير خلفيات مجموعة لـ«داعش» من وراء إطلاق نيران باتجاه قوة إسرائيلية، كذلك بدا في مروحة الاحتمالات، أن ذلك يتعارض مع المفهوم الذي يعرفونه عن «داعش»، لكونه لا يضع إسرائيل هدفاً له. نتيجة ذلك، ورد ضمن الاحتمالات إمكانية أن يكون ما حدث نتيجة قرار لمجموعة محلية، وآخر رأى أنه تنفيذ لتعليمات جهة قيادية في تنظيم «خالد بن الوليد» الذي يتموضع على مقربة من الجيش الإسرائيلي، وآخرون حاولوا الربط بإمكانية أن يكون ذلك نتيجة ما يواجه «داعش» من خسائر في سوريا والعراق.
إلى ذلك، أصدر جيش العدو بياناً أكد فيه أنه «سيستمر بالعمل من أجل الدفاع عن سكان دولة إسرائيل من خلال الحفاظ على حرية عمل الجيش في الأراضي التي تخضع لسيادة دولة إسرائيل (الجولان المحتل)، ولن يتردد في العمل ضد التنظيمات الإرهابية التي تنشط ضدها».