فرض تقدم الجيش السوري وحلفائه في عمق البادية وصولاً إلى حدود العراق واقعاً جديداً للعمليات في تلك المنطقة. وأصبحت طرق الأميركي والفصائل التي يرعاها، نحو الشمال، مغلقة بطوق عسكري يحول دون عبور دورياتهم نحو ريف البوكمال الغربي، بعدما كانت قد وصلته في مناسبات عديدة سابقة. وخلال اليومين الماضيين، عمل الجيش على تثبيت نقاطه في المواقع المتقدمة التي سيطر عليها، قبالة الشريط الحدودي مع العراق، وشمال موقع الزقف الذي يضم قوات أميركية ومقاتلين من فصيل «مغاوير الثورة».
تقدم الجيش الأخير صوب الحدود كان يحمل صبغة مستعجلة وطارئة، بدت من خلال تقديم الجهد العسكري على تلك الجبهة على حساب باقي الجبهات القريبة، لقطع الطريق أمام القوات البرية العاملة تحت مظلّة «التحالف الدولي». ومع انتهاء الخطوة الأولى الأهم، تفرّغ الجيش لإتمام عملياته الاستراتيجية على محور السخنة، الموصل إلى دير الزور. ومنذ أول من أمس، كثّف الجيش ضغطه على التلال المحيطة بحقل أراك، شرقي تدمر، ودفع بتعزيزات إضافية إلى ذلك المحور. وشهد ليل أول من أمس سيطرة الجيش على عدد من تلك التلال المشرفة على منطقة الحقل وشركة الغاز، التي لا تبعد أكثر من 4 كيلومترات عنها. وشهد أمس استمراراً للمعارك على تلك الجبهة، بالتوازي مع استهداف سلاح الجو الكثيف لمواقع التنظيم في محيط أراك وفي السخنة. ويراهن الجيش على السيطرة على الأخيرة، وطرد التنظيم من معقله الأبرز الأخير في ريف حمص الشرقي، لتنتقل المعركة إلى ريف دير الزور.
ويشكل التقدم نحو محافظة دير الزور الأولوية للقوات السورية في معاركها شرقاً، إذ تمنح مدينة دير الزور موقعاً استراتيجياً متقدماً في المنطقة الشرقية، يساعد في إدارة وإمداد معارك الحدود مع العراق. كذلك سيتيح فك الحصار عن المدينة الاستفادة من عدد كبير من المقاتلين العالقين منذ سنوات على جبهاتها المحاصرة من قبل «داعش»، إلى جانب الاستفادة من مطارها العسكري الذي بقي شريان المدينة الوحيد طوال مدة حصارها.
وكما يندرج التقدم الأخير نحو الحدود ضمن إطار معركة استباقية لقطع الطريق أمام الأميركي و«فصائل البادية» التي يدعمها، يمكن قراءة استعجال التحرك نحو دير الزور من الباب نفسه. فرغم أن «التحالف» يعمل حالياً على معركة الرقة بالتعاون مع «قوات سوريا الديموقراطية»، تبقى الأخيرة التي تضم فصائل من أبناء دير الزور تحت مسمى «قوات النخبة»، لا تبعد عن المدينة سوى 40 كيلومتراً إلى الشمال الغربي، بعدما سيطرت خلال منذ أشهر على موقع الكبر المحاذي لنهر الفرات. كذلك فإن تلك القوات أبدت استعدادها في وقت سابق لخوض معركة السيطرة على المدينة، بعد أن شكلت «مجلساً عسكرياً» للمدينة.
وفي معارك الرقة، أعلنت «قوات سوريا الديموقراطية» أنها «حررت حي الرومانية في الجهة الغربية للمدينة بعد يومين من الاشتباكات المستمرة». وأفادت مصادر كردية بأن القوات سيطرت على عدة كتل ضمن المنطقة الصناعية شرق المدينة. وبالتوازي، هاجمت «قسد» تحصينات تنظيم «داعش» على أطراف الفرقة 17، شمال المدينة، بالتزامن مع غارات كثيفة نفذتها طائرات «التحالف». ونقلت عدة مواقع متابعة لمعارك المدينة أن تنظيم «داعش» لا يبدي مقاومة شرسة لهجمات «قسد» داخل أحياء المدينة، مقارنة بقتاله في مواقع أخرى أقل أهمية رمزية من الرقة التي مثّلت عاصمة التنظيم. ونشرت عدة مواقع صوراً مأخوذة من أقمار صناعية تظهر «ضعف أو غياب» تحصينات المدينة من الجهتين الغربية والشرقية، وخاصة على البوابات الأثرية للمدينة التي تعدّ نقطة دفاع مهمة في حال تحصينها بشكل جيد. وأظهرت تلك الصور حجم الدمار الذي طال الأحياء التي تقدمت فيها «قسد» خلال الأيام الماضية، والذي نتج من قصف سلاحي المدفعية والجو التابعين لقوات «التحالف». كذلك، بيّنت تجهيز الأخير لمرابض مدفعية في ريف المدينة الغربي، قرب قرية المحمودلي، تتيح له تغطية إضافية لمواقع «قسد» في الطبقة ومحيطها القريب، إضافة إلى المواقع الأخرى التي سبق أن أنشأها خلال الأشهر الماضية في ريفها الشمالي.
(الأخبار)