لم تحقّق الحرب النفسية والقصف الصاروخي والمدفعي الكثيف على أحياء مدينة درعا، في حصيلة اليوم الأول، أي تقدّم لإرهابيين من 34 فصيلاً مقاتلاً يتوزّعون على «الجيش الحر» وتنظيم «القاعدة»، حاولوا اقتحام المدينة من 7 محاور، وقوبلوا بقتالٍ شرسٍ وعنيف من القوات السورية واللجان الشعبية.
منذ ليل أول من أمس، أطلقت الفصائل المدعومة من «غرفة العمليات الأردنية (الموك)» وإسرائيل آلاف الصواريخ وقذائف الهاون، ما أدى إلى استشهاد عددٍ من المدنيين في أحياء درعا المحطة، والقصور، السبيل، السحاري، المنشية، الكاشف والمطار. محاولات التقدّم البرّي بدأت فجراً من خطوط التماس مع الأحياء التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة: مخيم النازحين الفلسطينيين وحي السّد جنوب شرق المدينة، ودرعا البلد جنوب المدينة، وخطوط التماس مع بلدة عتمان شمالاً، ومحور طريق بلدة اليادودة في الشمال الغربي، وطريق درعا ــ طفس.
غير أن التكتيكات الجديدة التي استخدمها مسلحو «الجيش الأول» و«جيش اليرموك» و«لواء شباب السنّة» وغيرها باستخدام القصف العنيف والمركّز، والتسلل بمجموعات صغيرة بدل التكتيكات القديمة باستخدام الموجات البشرية، تعكس حصولهم على كميات كبيرة من القذائف والصواريخ من «غرفة الموك» خصيصاً للهجوم، وصلت بحسب مصادر عسكرية سورية إلى 11000 قذيفة. وتعكس أيضاً المهارات التي يتعلمها عددٌ من قادة المجموعات في مخيّمات التدريب الأردنية والسعودية التي تشرف عليها وكالة الاستخبارات الأميركية في الأشهر الماضية. وعلى الرغم من حرص «الموك» على عدم زجّ الفصائل المرتبطة بـ«القاعدة» بشكلٍ علني كـ«جبهة النصرة» و«حركة المثنى» و«حركة أحرار الشام» و«لواء المهاجرين والأنصار» في المعركة، من أجل الاستثمار السياسي لاحقاً، إلّا أن صمود الجيش والتفاف السكان حوله دفعا بـ«الموك» إلى الزجّ بهذه الفصائل في المعركة في الصباح، للاستفادة من الانتحاريين والانغماسيين الذين يقدّمهم «القاعديون»، مقابل حصصٍ من الذخيرة والأموال والغنائم.
مواجهات اليوم الدامي أدّت بحسب مصادر ميدانية إلى «مقتل وجرح ما يزيد على 87 إرهابياً، أغلب الجرحى نقل إلى مشافي الرمثا وإربد شمال الأردن والمشافي الميدانية الإسرائيلية». وبحسب المصادر فإنه «تمّ قتل 4 انغماسيين على محور المخيم، و20 حاولوا قطع طريق درعا ــ دمشق قرب بلدة قرفا». انكسار المهاجمين ووقف الهجمات البريّة مع غروب أمس لا يخرجان عن سياق الانتكاسات التي تصيب مسلحي الجنوب السوري، منذ ما بعد انسحاب الجيش من «اللواء 52» شمال شرق درعا، وفشل الهجوم على مطار الثعلة في السويداء قبل نحو أسبوعين، ثمّ فشل إسقاط حضر وخان أرنبة ومدينة البعث في القنيطرة قبل أيام.
موقع مدينة درعا «ليس أولوية عسكرية بالنسبة إلى الموك»، على ما تقول مصادر أمنية معنية بالجبهة الجنوبية، فـ«خطوط إمداد الإرهابيين لا تعيقها درعا، والمعركة فيها مكلفة. الهجوم على المدينة محاولة للحصول على نصر إعلامي وسياسي، في سياق ما يرسم للجنوب السوري». وتقول المصادر إن «الهجوم الممنهج في الجنوب مقرّر منذ شهرٍ ونصف الشهر، وكان من المفترض أن يحقّق نتائجه من مطار الثعلة، بسقوط المطار ثمّ فتح الطريق إلى الجنوب الشرقي لدمشق، ثمّ الجنوب الغربي بعد خان أرنبة». لكنّ صمود الثعلة والقنيطرة، والغارات الجويّة الليلية لسلاح الجوّ السوري على مدى الأيام الماضية، و«إصابة الأهداف بشكلٍ دقيق لغرف عمليات المسلحين وتجمعاتهم وخطوط إمدادهم، والتفاف الأهالي حول الجيش وقتالهم إلى جانبه، أفشلت الهجوم، وأفشلت إسقاط الجنوب السوري عسكرياً وسياسياً».

التدخّل الإسرائيلي انقلب إلى داخل إسرائيل، والتدخل الأردني مصيره مشابه

وتقول مصادر رسمية وأهلية من داخل المدينة لـ«الأخبار» إن «غالبية الأهالي هنا اختاروا الجيش والدولة بعد الذي لمسوه من ممارسات الجماعات الإرهابية والمحكام الشرعية للفصائل التي تدّعي الاعتدال، والفوضى العارمة في القرى والأحياء التي يسيطرون عليها. وهناك عدد كبير من أهالي قرى شرق وغرب درعا من الذين هربوا من تنكيل المجموعات المسلحة إلى هذه الأحياء، يقطنون هنا وحملوا السلاح للقتال إلى جانب الجيش». وتضيف المصادر أن «المسلحين بداية أعلنوا عن المعركة باسم (معركة شلال الدم) لترهيب الأهالي، إلّا أن الأمر جاء عكسياً». وتشير المصادر إلى أن «غالبية أهالي درعا والقرى المحيطة لا يريدون سيطرة الإرهابيين على المدينة، لأنهم يعرفون مسبقاً مصير الدوائر الرسمية ومؤسسات الدولة التي لا تزال تقدّم خدماتها لهم، وتؤمّن الحاجات الأساسية للقرى التي يحتلها الإرهابيون».
الهجوم على درعا تلى خلافاتٍ حادّة بين الفصائل المحسوبة على «الجبهة الجنوبية» وداخلها، وبين الفصائل التي انضوت تحت عنوان «جيش الفتح» قبل أيام، الذي تشكّل «النصرة» رأس حربته، بسبب توزيع الدعم والذخائر. الخلافات تنسحب، بحسب مصادر سياسية سورية، على «مصالح الدول الداعمة للإرهابيين، وسط إصرار إسرائيلي ــ سعودي على المعركة، ومحاولة أردنية لتحصيل دور أكبر في الجنوب بغطاء أميركي». ويبدو الدور الأردني فاقعاً هذه المرّة في فتح الحدود مع سوريا أمام الأسلحة والذخائر والإرهابيين، بعد أيام من العرقلة، في محاولة لفرض نفوذ جديد داخل الجنوب السوري. وتقول المصادر إن «الأيام المقبلة حاسمة في الجنوب السوري؛ التدخّل الإسرائيلي انقلب إلى داخل إسرائيل، والتدخل الأردني مصيره مشابه، ولن يتوقّف الأمر على سقوط قذائف من المجموعات المسلحة داخل الأراضي الأردنية»، مشيرةً إلى أن «استغلال الروابط العائلية للحوارنة بالأردنيين سيف ذو حدّين، ومناطق السما السرحان وحدود الترسيم لن تعود نهائية في حالة الفوضى التي لا يسع الأردن احتواءها».