كثرت التكهنات حول جدوى زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لواشنطن، في ظل التراشق الإعلامي «المضبوط» بين واشنطن وأنقرة، عقب قرار الإدارة الأميركية تسليح «وحدات حماية الشعب» الكردية بنحو مباشر. وانقسم المتابعون بين مشكّك في حصول أي اختراق، ومقتنع بأن الزيارة مفصلية وسيكون لها انعكاسات كبيرة على الشرق الأوسط. تعددت الآراء وسال حبر كثير في محاولة فك شيفرة اللقاء الأول بين أردوغان والرئيس دونالد ترامب.
ومن المفيد التذكير ببعض النقاط التي تساعد في تصويب بوصلة نقاش الزيارة، أولها؛ أن تركيا حليف استراتيجي للولايات المتحدة، وهي عضو في «حلف شمال الأطلسي» الذي تتزعمه واشنطن منذ عام 1952، أي بعد ثلاث أعوام فقط على تأسيسه.
كذلك، فإن علاقة واشنطن بالكرد ــ قياساً بعلاقتها مع أنقرة ــ تُعَدّ طارئة. فالكُرد ما زالوا يتمتعون بذاكرة قوية، ولم ينسوا دور واشنطن التاريخي، وتحديداً وزير خارجيتها هنري كسنجر، في اتفاقية الجزائر بين شاه إيران والرئيس العراقي صدام حسين، وما تركته تلك الاتفاقية من آثار سلبية على ثورة المُلا مصطفى البرزاني. وللمفارقة، استدعى ترامب ــ قبيل زيارة أردوغان ــ الثعلب العجوز كيسنجر إلى البيت الأبيض، طالباً مشورته في عدة ملفات، لعل أبرزها أفغانستان والعراق وسوريا واليمن. كذلك إن دور المخابرات الأميركية في اختطاف زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان، من العاصمة الكينية نيروبي (شباط 1999) وتسليمه للمخابرات التركية، يعدّ بصمة أميركية سوداء في وجدان الكرد.
وفي عودة إلى لقاء ترامب ــ أردوغان، فإن المعروف وفق التقاليد الديبلوماسية أن أي لقاء بين رئيسي دولتين يأتي كتتويج لمحادثات مهّدت له، أي إن مجرد حدوث اللقاء يعني بالضرورة أنه حصل توافق ما. وهنا تجدر الإشارة إلى أن رئيس جهاز الاستخبارات التركي حقّان فيدان، استبق لقاء الرئيسين بعقد محادثات مع كبار المسؤولين الأميركيين في واشنطن، ونُقل أن ترامب دخل في أحد الاجتماعات فجأةً، مرحّباً بالمسؤول التركي. فما الذي توافق عليه الأخير مع الإدارة الأميركية؟
الجواب عن هذا السؤال يتضمن عدة احتمالات، أبرزها، حلحلة ملف رئيس «حركة الخدمة» (الكيان الموازي)، الداعية فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية. وتطالب أنقرة واشنطن بتسليمه، بعدما اتهمته بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في منتصف تموز الماضي.
إلى جانب تظهير ما اتُّفق عليه في أستانا أخيراً من «مناطق تخفيف التوتر» التي تشمل كامل محافظة إدلب، والبناء عليه لوقف استهداف مقار «هيئة تحرير الشام» كخطوة أولى، على ألا تعترض «الهيئة» على دخول الجيش التركي وانتشاره في بعض النقاط من المحافظة. يضاف إلى ذلك، إعطاء ضوء أخضر أميركي لأنقرة، للقيام بعملية عسكرية واسعة في سنجار وجبال كردستان العراق بذريعة مقاتلة «حزب العمال الكردستاني» وإخراج عناصره من منطقة سنجار كمرحلة أولى. ولعل هذا الاحتمال هو الأخطر على الصعيد الكردي خصوصاً وعلى صعيد المنطقة عموماً. فأرض سنجار شهدت أول معركة تضمنت تنسيقاً علنياً بين مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» في آب 2014، في عملية كبيرة لفك الحصار عن آلاف المدنيين الإيزيديين المحاصرين من قبل «داعش»، وهذه الحقيقة يعلمها القاصي والداني، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا. ولهذا، من يضمن إن قام الجيش التركي بالاعتداء على سنجار ألا تتدخل «الوحدات» الكردية في المعركة، وهي التي تعتبر تركيا الداعم الرئيسي لتنظيم «داعش»؟ وإن تدخلت «الوحدات»، فهذا سيعني بالضرورة نقل المعركة إلى شمال سوريا. وكي لا تُحرِج أنقرة واشنطن، ستحاول الرد بعيداً عن مناطق نفوذها شرق الفرات، وبالتالي ستكون مدينة عفرين في مرمى الاستهداف التركي، أم أن تحركاً من دمشق وموسكو على غرار ما حصل في غربي منبج، سيغلق بابها أمام الرياح التركية؟
* كاتب كردي سوري