قرّرت وفاء بعد حصولها على شهادة «البكالوريا» العمل في أحد المحلات التجارية وعدم متابعة الدراسة، فاليوم تغيّرت أولوياتها في الحياة وأصبح همّها الحصول على بعض النقود لتساهم في إعالة أسرتها وتسديد إيجار المنزل، بعدما انقلب مصيرها منذ حوالي الثلاث سنوات، يوم خرج والدها من المنزل ولم يعد. الوالد كان يعمل سائق سيارة «تاكسي» ما بين حمص ولبنان قبل اندلاع الأحداث، وبعد وقوع الاضطرابات في حمص انتقلت العائلة إلى لبنان واستأجروا منزلاً في إحدى المناطق الفقيرة. واستمر الأب في مهنته، ليختفي في إحدى رحلاته مع سيارته.طوال السنوات الثلاث الماضية لم تهدأ الأسرة وهي تبحث عن الأب المفقود، ولكن من دون جدوى، وحينما بدأت أموالهم ــ القليلة أصلاً ــ تنفد، لم يعد العمل خياراً، فقررت وفاء العمل وهجر أخوها الدراسة وهو دون الثامنة عشرة، وبدأ بالعمل حمّالاً في أحد الأسواق الشعبية.
توضح وفاء أنها حين وصلت إلى لبنان مع أسرتها سجلوا أسماءهم لدى «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، وبعد سنوات من الانتظار حصلوا على فرصة لجوء ضاعت من أيديهم بسبب غياب والدهم وعدم معرفتهم لمصيره إن كان حياً أم ميتاً، مضيفة أن «المفوضية» اشترطت عليهم إما شهادة وفاة أو موافقة الأب.

الفصل بعد غياب 15 يوماً

تجربة ليلى عياش (موظفة في مدرسة) ليست بأفضل من وفاء، فزوجها وإن كانت تعرف أين ذهب لكنها لا تعرف ما حل به اليوم، اعتقل مطلع الأحداث في تدمر، وانقطعت أخباره دون أن تسمع عنه أي معلومة حقيقية. وتشرح أن زوجها كان موظفاً حكومياً، وبعد تغيّبه لأكثر من 15 عشر يوماً فُصل من عمله وأُوقف راتبه، وأخبرها زملاؤه أنّ تأخره دون تبرير سيعرّضه للفصل، وهو ما جرى فعلاً، إذ خسر عمله وتعويضاته. واليوم انتقلت ليلى إلى حمص مع طفلتها الصغرى منذ سيطرة «داعش» على تدمر، وهي المُعيلة الوحيدة لعائلتها الصغيرة.

«سُلبت» أموالهم

تذكر لمى، وهي شابة في الخامسة والثلاثين متزوجة بشخص مقتدر مادياً، أن زوجها كان يملك عملاً خاصاً له مع أحد الشركاء، وحين فُقد منذ حوالى السنتين والنصف سنة، أظهر الشريك الكثير من الاهتمام بها وبعائلتها وكان سنداً لهم في البحث عنه، والتزم دفع مبلغ جيد شهرياً يعادل ما كان يجنيه زوجها، غير أن هذا المبلغ بدأ بالتقلص تدريجياً حتى أصبح لا يكفي لسداد ثمن الخبز.
وتوضح بأن شريك زوجها كان يتذرع بتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلد وتراجع العمل، وهي لا تملك أي وسيلة لإدانته أو تكذيبه، ومع استمرار حالها بالتردي لم تجد أمامها من حل سوى تقليل نفقاتها والبحث عن فرصة عمل. تشرح أن زوجها يملك حساباً في البنك ولكنها لا تستطيع التصرف به لعدم امتلاكها عقد توكيل، كذلك الحال بالنسبة لبقية أملاكه من عقارات أو سيارات فهي جميعها مجمدة لحين معرفة مصيره أو الحصول على موافقة القضاء في ما يتعلق بأمواله.
القانون يفرّق بين المفقود والغائب برغم وحدة الأحكام المتعلقة بهما

رأي القانون

يوضح المحامي علي تقي الدين بأنّ القانون السوري فرّق في التسمية ما بين المفقود والغائب، بالرغم من وحدة الأحكام المتعلقة بكل منهما، فالمفقود ووفقاً للمادة «202» من قانون الأحوال الشخصية، هو «كل شخص لا تُعرف حياته أو مماته أو من كانت حياته مُحققة لكن لا يُعرف له مكان».
فيما الغائب ووفقاً للمادة «203» هو «الشخص الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى مقامه أو إدارة شؤونه بنفسه أو بوكيل عنه مدة أكثر من سنة وتعطلت بذلك مصالحه أو مصالح غيره».
ويبيّن تقي الدين أن كلاً من المفقود أو الغائب ــ مبدئياً ــ يمكنه اكتساب الحقوق وتحمل الالتزمات، فاذا توفي له قريب يرث وكأنه موجود. كما يحافظ القانون على أملاكه من أموال وعقارات وغيرها فهي تُعد ملكاً له، ولا تسقط حقوق ملكيتها لمجرد الغياب أو الفقد لحين ثبوت وفاته بحكم الواقع أو بحكم قضائي.
ويتابع أنه على الرغم من احترام القانون لحقوق الغائب أو المفقود «لا تزول عنه الالتزامات، ويمكن للمدين مثلاً الذي أقام دعوى عليه وحصل على حكم قضائي يثبت دينه أن ينفذ جبراً على أمواله».
وبالنسبة لوضع عائلته وتسيير أمورهم المالية واليومية، يوضح أن هذا الشخص الذي تعرض للغياب أو الفقدان يبقى مُلزماً نفقة الزوجة والأولاد وكل من تجب عليه نفقتهم قانوناً، و«يتحقق هذ الالتزام من خلال وكيل قضائي يعينه القاضي متى توافرت فيه الشروط الواجب توافرها في الوصيّ، ما لم يكن المفقود قد سمّى وكيلاً عاماً عنه قبل فقده تتوافر فيه شروط الوصي ويقوم الأخير بتسديد الالتزامات المترتبة على المفقود باشراف المحكمة». ولا ينفي المحامي أن المحكمة تحكم غالباً بمبالغ بسيطة «فحتى اذا تمكنت الزوجة من الحصول على حكم يسمح لها بالحصول على النفقة من أموال زوجها، لكنه يبقى رقما بسيطا لا يتجاوز العشرين في المئة من دخله».
وعن المدة الواجب انقضاؤها حتى يعد الغائب أو المفقود ميتاً، يوضح تقي الدين أنه لا بد من التمييز بين حالتين «تتمثل الأولى بثبوت حالة الوفاة، مثل العثور على الجثة أو شهادة شهود وغيرها من طرق الاثبات التي يجيزها القانون لاثبات واقعة الوفاة، أما الحالة الثانية، فهي افتراض وفاته افتراضاً قانويناً، وهنا أيضاً يميز القانون بين حالتين الأولى في الحالة العامة تنتظر عائلته بلوغه عمر الثمانين، أما في حالة الفقد الناجم عن العمليات الحربية، فيعدّ بعد مرور أربع سنوات من انقطاع أخباره».
ويضيف أنه «بعد صدور حكم الوفاة تنتقل أموال المفقود إلى ورثته كما تورث التزاماته، ويُنهى عمله ويتقاضى ورثته تعويض الوفاة"، ويختم تقي الدين "أنه في حال عودة هذا الشخص بعد الحكم بوفاته فمن حقه مراجعة زوجته في حال ظهوره خلال فترة العدة، وبالنسبة لأمواله يمكن أن يسترد ما بقي منها في يد الورثة، كما يمكن أن يعود لعمله إذا ما أثبت القوة القاهرة التي أجبرته على التغيب عن عمله».