ويدخل الإصدار في سياق الحرب النفسية - الإعلامية التي يشنّها التنظيم، على وحدات الجيش الباقية شرقي البلاد. ويتزامن نشره مع معلومات عن نيّة الجيش فك الحصار عن المدينة التي خيّم عليها «شبح المجاعة»، بحسب مصدرٍ ميداني (ترمى المساعدات الغذائية والطبية عبر الجو).
شريط جديد (16 دقيقة) يوثّق فيه التنظيم «غزواته»
هنا، تُستنتج أسباب النشر الحالية للفيلم الدموي. أوّلاً، استباق المعركة بهجوم «نفسي» على مقاتلي القوات المتقدّمة من جهة، وعلى المحاصرين داخل المدينة، من مدنيين وعسكريين فيها من جهة ثانية. ثانياً، التأكيد أن مسلحي التنظيم لن يملّوا من «الغزو» قبل السيطرة الكاملة على جميع المواقع. ثالثاً، رفع معنويات مسلحي «داعش» الذين لم يحققوا تغييراً كبيراً في الموازين، أمام الجيش في دير الزور منذ عام 2014.
أما على صعيد المضمون العسكري، وما حمله التسجيل من دلالات، فيجب الإشارة إلى النقاط الآتية:
أوّلاً، أكّد التنظيم أن تكتيكاته القديمة لم تنجح في خرق استحكامات الجيش، وهو ما دفعه إلى «اعتماد تكتيكات جديدة»، بهدف إطباق الحصار وتضييق الخناق على العسكريين والمدنيين، ملمّحاً إلى حفر العديد من الأنفاق، في سياق المعركة، واتباع سياسة قضم المساحات «المحدّدة»، وتجنّب «الغزوات» الضخمة، و«المنفلشة» المساحة.
ثانياً، يتّكل التنظيم في هجوماته على عنصرين أساسيين: «الانتحاري» و«الانغماسي». فالأوّل يقود آلية مفخخة (مصفّحة أحياناً)، أما الثاني، فيخترق قلب «العدو» وصفوفه، ليبسط سيطرته، مهيئاً الميدان لرفاقه ليثبتوا في النقاط الجديدة.
ثالثاً، الطبيعة الجغرافية الصعبة للمعركة. إذ إن العمل العسكري، هناك، يرتكز على المزج بين تكتيكات حروب «الصحراء» و«المدن»، حيث طبيعة الأرض منبسطة، وتفتقر في معظمها إلى الموانع أو العوارض (طبيعية أو اصطناعية).
رابعاً، أظهر التنظيم عشوائية الرمايات لدى عناصره. سلّط الضوء عليها كثيراً. لم يوضح الأهداف التي رماها مسلحوه، ولم يعرض أي تقدّم «كبير» للعمليات (على سبيل المثال، لم يذكر أيّة مناطق جديدة، ولم يصوّر المسلحين بها، كعادتهم)، بل ركّز على الرمايات، وغزارة النيران، وأصوات التكبير. لكن في نهاية التسجيل، عُرض عدد من جثامين شهداء الجيش السوري، قبل أن يدفنوا في مقابر جماعية.
خامساً، عرض التنظيم قتلاه وجرحاه، في إشارة منه إلى «الواقعية» بنقل ضراوة المعركة، والافتخار بهم، فهم «قتلى في سبيل الله».
سادساً، تحديد الهدف من الفيلم، بإعلان موقف التنظيم بأن «المعركة في ولاية الخير لم تنته، بل لم تبدأ بعد، وإن ما رأيتموه يا نصيرية هو أوّل الغيث بإذن الله...»، وهو دليل على أن التنظيم كان «يعلم» منذ تحرير مدينة تدمر، في ريف حمص الشرقي، أن وجهة الجيش ستكون مدينة السخنة، ومن ثم دير الزور، وهو ما أكّده مصدر ميداني في التنظيم.
كل هذه المؤشّرات تشي بأن طبول معركة دير الزور المرتقبة بين الجيش والحلفاء من جهة، ومسلحي «داعش» من جهة أخرى بدأت تقرع، في وقتٍ تزداد فيه استعدادات الأخير، لتحقيق مكاسب ميدانية كبيرة قبل إطلاق الجيش هجومه، ولشنّ حرب نفسية يدّعي أنّه ضليعٌ بها.