«أنا صاحب البنك وأنا من أملك رأسماله الأكبر» صرخة مدوية، أطلقها رئيس مجلس إدارة أحد البنوك الخاصة في وجه أحد المساهمين الصغار الذي وجه نقداً للتكتم وعدم الوضوح في التعويضات والمكافآت التي يتقاضاها أعضاء مجلس إدارة ذاك البنك، لكنها صرخة لم تتعد آنذاك جدران قاعة المتنبي في فندق داما روز في دمشق.
الحادثة بدت في الظاهر مجرد خلاف في اجتماع هيئة عامة لشركة مساهمة وحديثة تتبع إشرافياً ورقابياً ومن هذه الزاوية إلى هيئة الأوراق والأسواق المالية. إنما في الجوهر، فهي تمثل وأد الولادة الثانية الحديثة لتجربة الشركات المساهمة العامة في الاقتصادي السوري، وخاصة إذا علمنا بأنه لم يبق إلا النزر اليسير من الشركات المشتركة المساهمة التي قامت بين القطاع الخاص السوري والدولة والمساهمين الصغار في فترة الثمانينيات من القرن الماضي.
من الضروري التوضيح أولاً أن جوهر إحداث هيئة الأوراق المالية السورية عام 2006 كان بهدف التأسيس لتحول بنيوي في هيكلية الاقتصادي السوري، من خلال تحفيز تأسيس شركات مساهمة عامة (شركات خاصة تطرح جزء من رأسمالها للاكتئاب العام) وإعداد هذه الشركات تالياً للإدراج في بورصة دمشق للأوراق المالية.
على هذا الأساس جرى إحداث المصارف الخاصة على شكل شركات مساهمة عامة (بدأت الدفعة الأولى منها مزاولة العمل عام 2006) وقد وصل عددها إلى 14 مصرفاً خاصاً، وقامت سوق التأمين بالتزامن مع المصارف الخاصة، ليصل عدد الشركات المساهمة العامة في هذه السوق إلى 7 شركات من أصل 12 شركة تأمين خاصة، إضافة إلى إحداث شركتي الخلوي بصيغة المساهمة العامة مع وجود شركات في الزراعة والصناعة والخدمات ليصل عدد هذه الشركات بالمجمل إلى 52 شركة مساهمة عامة فقط. وفي ذلك تقول هيئة الأوراق المالية في تقريرها الخامس الصادر أخيرا إنه جرى اختيار 32 شركة مساهمة لحوكمة عملها، وهي الشركات الأكثر التزاماً بمتطلبات الهيئة، وبطبيعة الحال هي شركات مدرجة في بورصة دمشق للأوراق المالية أو مرشحة للإدراج.
وبالمجمل بلغ مجموع رؤوس أموال الشركات المساهمة العامة السورية كافة 52 شركة نحو 2،106 مليار ليرة سورية. بالمقابل وصل مجموع رؤوس أموال الشركات الـ 32 الأكثر التزاماً بمتطلبات الهيئة 3،102 مليارات ليرة سورية وبلغ مجموع حقوق المساهمين في هذه الشركات حوالى9،187 مليارات ليرة سورية، فيما وصل مجموع الموجودات 6،989 مليارات ليرة، وقد حققت هذه الشركات أرباحا صافية تبلغ نحو 4،24 مليارات ليرة في نهاية عام 2013، ووصل عدد العاملين فيها إلى 8888 عاملا عام 2013 مقابل 10260 عاملا في نهاية عام 2012.
المفاجأة التي يكشفها تقرير هيئة الأوراق أنه من أصل الـ32 شركة درسها التقرير يوجد 6 شركات يسيطر فيها مساهم واحد على حقوق التصويت، وفي 7 شركات يسيطر مساهمان اثنان على حقوق التصويت، وفي 4 شركات يسيطر ثلاثة مساهمين، وكذلك في 4 شركات يسيطر أربعة مساهمين، ويسيطر خمسة مساهمين في ثلاث شركات مقابل 8 شركات يسيطر فيها ستة مساهمين أو أكثر على حقوق التصويت. وتعترف هيئة الأوراق بأنه يلاحظ على نحو واضح عدم قدرة صغار المساهمين في الشركات المساهمة العامة على انتخاب ممثلين لهم في مجالس الإدارة، في ضوء التركز الكبير للملكية بيد عدد قليل من المساهمين، لكون طريقة التصويت المتبعة خلال الهيئات العامة، التي نص عليها قانون الشركات السوري (صوت لكل مساهم ) تلغي دور صغار المساهمين، الأمر الذي يفقد الهيئات العامة للمساهمين جميع سلطاتها المتعلقة بمساءلة مجالس الإدارة.
وتضيف الهيئة: كما أن هذا التركز في الملكية يتيح لعدد قليل من المساهمين التفرد في اتخاذ القرارات مهما كانت درجة أهميتها، التي قد تكون مصيرية في حياة الشركة مثل تعديل النظام الأساسي وقرارات الاندماج وحل الشركة.
لكن يبدو كما يجزم الخبير والباحث الاقتصادي الدكتور عابد فضلية، فإن «الشركات العائلية تبقى السائدة في سوريا وفي أغلب الدول النامية، وهذا اتجاه اقتصادي موجود في اذهان قطاع الاعمال في تلك البلدان».
الأرقام والحقائق السابقة، التي أكدتها هيئة الأوراق المالية الجهة المسؤولة عن حماية صغار المساهمين في الشركات المساهمة العامة، تؤكد أن الحديث عن وجود هذا النوع من الشركات مجرد وهم لا أكثر، إذ إن تلك الشركات هي شركات أحادية وشخصية من خلال سيطرة كبار الملاك على القرار في هيئاتها العامة.
في هذا الإطار يشير مصدر خاص في هيئة الأوراق والأسواق المالية إلى «أن اتجاه الحكومة إلى تأسيس الشركات المساهمة العامة، من خلال إعطاء ميزات ضريبية تصل إلى 14% للشركات التي تطرح 51% من رأسمالها للاكتتاب العام، كان بهدف إدخال المدخرات الصغيرة في الاستثمار الوطني، بدلا من أن تبقى حبيسة الإدراج الخاصة، كما ان الخطوة مثلت محاولة لإخراج هذه الاموال من خزائن البنوك، إضافة إلى توسيع مظلة الشفافية والإفصاح في الاقتصاد من خلال حوكمة عمل هذه الشركات»، لكن ما حصل ــ يضيف المصدر ــ «أن مؤسسي تلك الشركات وأصحاب الرساميل الكبيرة فيها استحوذوا على الحصة الأكبر فيها، وسيطروا على القرارات الفنية والإدارية. وهذا يقوم تحت مظلة القانون، وعلى مرأى من أغلب الجهات الإشرافية والرقابية الحكومية».
وعن وجهة النظر حول الحلول والمقترحات للخروج من هذا المأزق يقول المصدر: «الضرورة تفرض إعطاء أفضلية لسهم المدخرات الصغيرة في هذه الشركات سواء بإعطاء قدرة تصويتية إضافية في التصويت أو من خلال الاعتراض على قرارات الهيئة العامة التي لا تحقق مصالح صغار المساهمين أو التي يكون فيها قرارات مصيرية في وجود الشركة المساهمة واستمرارها».
يبرز هذا الحديث حول الشركات المساهمة العامة في ظل الحرب التي تشهدها البلاد، لكونها يمكن أن تؤدي دورا اقتصادياً واجتماعياً، في خدمة الاقتصاد الوطني من خلال الأرباح التي تحققها ومن خلال توزيع جزء من هذه الأرباح على شريحة «صغار المساهمين» الذين ساهموا فيها.