دمشق | لا يستبعد رجل أعمال شهير أن يجد نفسه قريباً ممنوعاً من السفر، بحجة «تخلفه» عن تسديد قرض مصرفي. رجل الأعمال، الذي كان يتحدث هاتفياً مع «الأخبار»، أكد أن معالجة ملف القروض المصرفية المتعثرة لا يمكن أن تحقق مبتغاها عندما تتم المساواة في الإجراءات بين المتهربين من تسديد القروض، وبين المتعثرين نتيجة تداعيات الأزمة. يشير في هذا السياق إلى أن خسائر شركاته منذ بداية الأزمة، والمدققة من قبل شركة محاسبة دولية، تجاوزت عشرات الملايين من الدولارات.موقف أحد أقطاب قطاع الأعمال في سوريا يلتقي مع مواقف لصناعيين وتجار كثيرين يطالبون الحكومة اليوم بـ»التمييز بين من هو مع الوطن ويعمل رغم الظروف الصعبة، وبين من هو خارج الوطن ويقيم في فنادق الخارج».

الملف بيد القضاء

ملف القروض المصرفية المتعثرة، والتي تشير التقديرات إلى أن قيمتها تتجاوز 350 مليار ليرة (نحو مليار و400 مليون دولار أميركي)، ليس وليد سنوات الأزمة. فقبل عام 2011، أصدرت الحكومة مراسيم تشريعية عدة سمحت بموجبها للمصارف العامة بتسوية أوضاع المتخلفين والمتعثرين وجدولة قروضهم وفوائدها. لكن المشكلة لم تحل، وبقيت تشكل عبئاً ثقيلاً على سيولة بعض المصارف العامة كالمصرف الصناعي، ولتتعمق أكثر مع تدهور الأوضاع الاقتصادية خلال سنوات الأزمة، ولتشمل أيضاً المصارف الخاصة.
مرة أخرى، تفشل مراسيم التسوية وإعادة الجدولة في تحقيق المطلوب منها. والسبب بحسب بعض الصناعيين يعود إلى «ظروف إصدارها التي لم تسعف منشآتنا لكونها إما كانت في مرحلة الترميم أو في مناطق ساخنة، مع وضع سيئ لبعض المحافظات تعذر معه استفادة عدد كبير من أصحاب المؤسسات من هذه المراسيم». فكان أن توجهت الحكومة أخيراً إلى إصدار قانونين، الأول يختصر الإجراءات التنفيذية للمصارف بما يتيح لها التصرف بالضمانات وتفعيل عملية تحصيل الديون من الكفلاء، والثاني خاص بإحداث المحاكم المصرفية. ووفق ما توضحه القاضية سميرة شاهين رئيسة محكمة البداية المصرفية بدمشق، فإن «المشرع لاحظ في إصدار ذلك القانون أهمية موضوع الدعاوى والقضايا المصرفية وحساسيته ومدى تأثيره على عجلة الاقتصاد الوطني، وخاصة التجارية والمصرفية». وأضافت إن «المشرع ابتغى حسم الدعاوى على وجه السرعة أولاً، ثم توحيد الاجتهاد في اتجاه واحد، ومن شأن ذلك أن ينعكس إيجاباً على النشاط الاقتصادي بشكل خاص والمصلحة العامة بصورة عامة».
أولى الملاحظات التي سجلها قطاع الأعمال على القانونين تتمثل في أنهما «لم يميزا عند التنفيذ بين المقترضين الذين هم داخل الوطن ولم يغادروه، وبين المقترضين الذين هربوا هم وأموالهم إلى خارج الوطن». وهنا يكشف رجل الأعمال المعروف صائب نحاس في دردشة مع «الأخبار» عن أن نقاشاته مع مسؤولي الحكومة خلصت إلى أن خطوة إحداث المحاكم المصرفية «ستكون لمعالجة قضية المتهربين من تسديد ما يترتب عليهم من التزامات مالية تجاه المصارف. وتشكل قروض هؤلاء، كما تعتقد الحكومة، نسبة قدرها 70% من إجمالي القروض، بينما ستكون هناك إجراءات مختلفة لمعالجة النسبة المتبقية من القروض، والتي هي لمقترضين متعثرين، وللأسف هذا لم يحدث حتى الآن».

معظم القضايا سببها الحرب،
وإذا لم تكن المحكمة عادلة وسريعة فسيكون ذلك كارثياً

ويفضل رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية المهندس فارس الشهابي في تصريح لـ»الأخبار» عدم استباق نتائج تجربة إحداث المحاكم المصرفية، مؤكداً أنها «ربما تكون جيدة حسب خطتها ورؤيتها في العمل، لأن معظم القضايا سببها الحرب، وما سببته من خسائر مادية كبيرة. وإذا لم تكن هذه المحكمة عادلة وسريعة فسيكون ذلك كارثياً على الاقتصاد الوطني، وسيسهم ذلك في فقدان الثقة به»، مضيفاً إن «هناك حالات تظلم كثيرة ونأمل أن تسهم هذه المحكمة في إنصاف الناس».
من جانبها، تحاول القاضية شاهين طمأنة الجميع بعدة أمور، فالمحكمة أولاً «تحرص على تحقيق العدالة، فهذا المال في النهاية هو مال عام وأموال مودعين، ومن واجبنا ككل المحافظة عليها»؛ كما أن المحكمة ثانياً «تنظر في الدعاوى على وجه السرعة. فمثلاً أضابير التنازل بالدعاوى عن الحق المدعى به تكون منظورة اليوم، وفي اليوم التالي يصدر القرار. كذلك الأمر بالنسبة إلى أضابير منع السفر التي تبتّ في اليوم نفسه. وإذا لم نتمكن بسبب ضغط العمل يؤخذ بها قرار في اليوم التالي».
أما الأمر الثالث، فهو في الآفاق المفتوحة لحل القضايا بشكل ودي. فهناك «دور بين المصرف والزبون. دور الوساطة لحل النزاع. وقد لمست المحكمة ذلك بوضوح. فأغلب المراجعات تتم من قبل المدعى عليهم لإيجاد حل بشكل ودي، ومرضٍ لجميع الأطراف».

منع سفر بالجملة

ولم تكد تمضي أسابيع قليلة على صدور القانون الخاص باستحداث المحاكم المصرفية وقيام وزارة العدل بتشكيلها، حتى كانت بعض المصارف العامة تعلن «إعلامياً» إحالة مئات الملفات إلى هذه المحاكم، فالمصرف العام العقاري مثلاً أعلن أن عدد القضايا المحالة على القضاء المصرفي بلغ نحو 385 قضية، مصرف التسليف الشعبي 200 قضية، والمصرف التجاري السوري 390 قضية. وهي أرقام كانت موضع تشكيك من قبل مصدر مصرفي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، واعتبرها «مبالغة وللاستهلاك الإعلامي».
وما يؤيد ما ذهب إليه المصدر المصرفي هو حديث القاضية شاهين المتعلق عن عدد الدعاوى المنظورة أمام محكمة البداية المصرفية بدمشق. فعدد «الملفات المنظورة بدعوى أساس الحق بالمطالبة وصل إلى 180 دعوى، وأكثر هذه الدعاوى تنتهي بأن يقوم المدين بتسديد القرض. أما دعاوى منع السفر التي تُنظر في غرفة المذاكرة، فهي ما يقارب 170 دعوى وجميعها» لصالح المصارف، مع احتفاظ المدعى عليه بحقه في الاستئناف.
وتثير قرارات منع السفر استياءً لدى المقترضين المتعثرين الذين لا يزالون يقيمون داخل البلاد، فمثل «هذه القرارات تنال منهم، وهم الذين فضلوا البقاء ومحاولة تشغيل منشآتهم، فيما هناك الكثيرون ممن هربوا هم وأموالهم إلى خارج البلاد، والذين لا يعنيهم صدور قرار يمنعهم من السفر أو لا».
وتفضي النقاشات في نهاية المطاف إلى أهمية الحل الاقتصادي للقروض المصرفية المتعثرة، والقائم على إيجاد إجراءات تسهم في إعادة تشغيل المنشآت الصناعية والتجارية والسياحية من جهة، وبما يضمن تسديدها للالتزامات المترتبة عليها للمصارف الوطنية من جهة ثانية، عوضاً عن إغلاقها وبيعها وتسريح عمالها. وهذا حل تؤيده بعض الأصوات المصرفية التي تتساءل عن الفائدة التي سيجنيها المصرف من نقل ملكية منشأة أو بيع أخرى في المزاد، ولا سيما أن هناك منشآت تقبع في مناطق ساخنة أو متوقفة عن العمل. وهو أيضاً ما يذهب إليه رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، الذي يبين أن «المتهربين هم نسبة قليلة من المجموع العام للمتضررين، وبسبب سوء المعالجة نخشى أن يدفع الآخرون الثمن. نحن بحاجة الى مساعدة الناس لإعادة تشغيل مصانعهم، لا إلى جباية ما تبقى لديهم من أموال الآن...».